حَباهُ إِلهُ العرش جوداً ونجْدةً
يودُّهُما حدُّ الظُّبى وندى القطْرِ
وأبيضَ وضَّاحاً سنى قَسَماتِهِ
يعود له الليل الدَّجوجيُّ كالظُّهر
فقامَ بشُكْر اللّه عن كُلِّ نِعْمَةٍ
بأمثالها بالخير يبقى مع الشُّكْرِ
حَمى وقَرى جيرانَهُ وضُيوفَه
فباتوا بخيرٍ من نوالٍ ومن نَصْرِ
وجادَ زكاةً عن صباحَةِ وجْههِ
على مُعْتفيه بالبشاشةِ والبِشْرِ
فدلَّتْ على المعروف منه طَلاقَةٌ
كما دلَّ أعْناق العِطاش سنى الفجر
أبو جعفرٍ أربى على جعفرِ النَّدى
وإنْ كان مشهور المكارمِ والذِّكرِ
طَمَتْ ثروةٌ بالبرمكيِّ فسهَّلت
نوالاً وجاد الخِنْدِفيُّ ولم يُثْرِ
فأوْلاهُما بالمدح من كان مُؤثِراً
ببُلْغَتهِ أهل الخصاصة والفَقْرِ
فما واهِبٌ أبْقَتْ يداهُ ذخيرةً
كمن ما له غير المحامد من ذُخْرِ
أبى العارضُ الثَّجَّاجُ حبس بقيَّةٍ
ولُؤمُ الرَّكايا يحبس الماء في القعر
فيا لك من طوْدٍ رفيعٍ وعارضٍ
هَموعٍ وسيفٍ لا يَملُّ من الهبر
إذا عقر الأبالَ والنِّيبَ في الوغى
وفي السلم كانت طعمة الضيف والنَّسْرِ
تُلاقيه نشْوانَ الشَّمائلِ والعُلى
فلولا تُقاه قلت نشوانُ من خمرِ
حبيس الخُطى عن كل عارٍ مُدنسٍ
ولكن جوادٌ مُحرزٌ قصب الفخر
فليت السَّراةَ الأقدمين بني النُّهى
وجوهَ المعالي في الفلاة وفي المِصْر
ترى الشِّبل ليثاً والطَّليعة جحفلاً
وجَمَّةَ وادٍ أصبحت لُجَّة البحر
أقرُّوا إذاً طُرَّاً بتفضيلِ سابقٍ
جموحٍ إلى الغايات مُلتهب الحُضر
أخِيرٌ ولكن أوَّلٌ في فَخارِهِ
ولا فخر للمفضول في قِدَم العصرِ
وزيرٌ يَدُقُّ السَّمْهريَّ بمزبرٍ
ويهزمُ أسطار الكتائب بالسَّطرِ
تَساوي بني الأشْعار نظْماً وإنما
تفاوتُهم في الفضل والصيت والقدْر
وما شُعَراءُ الناس إِلاَّ مَعادِنٌ
وما كل أرضٍ معدنُ الذهب التِّبر