أعليت بين النجم والدبران

التفعيلة : البحر الكامل

أعليتَ بين النجم والدّبرانِ

قصراً بناهُ من السعادة بانِ

فَضَحَ الخوَرنَقَ والسديرَ بحسنه

وسما بقمّتِهِ على الإيوانِ

فإذا نَظَرْتَ إلى مَرَاتبِ مُلكه

وبدتْ إليك شواهدُ البرهانِ

أوْجَبْتَ للمنصور سابقةَ العُلى

وعَدلْتَ عن كسرَى أنوشروانِ

قصرٌ يقصِّرُ وهو غير مقصِّر

عن وصفه في الحسن والإحسانِ

وكأنّهُ من دُرّةٍ شَفّافَةٍ

تُعْشي العيونَ بشدّة اللمعانِ

لا يَرْتقي الرّاقي إلى شرفاتِهِ

إلا بمعراج من اللحظانِ

عرّجْ بأرض الناصرّية كي تَرَى

شَرَفَ المكان وقدْرَةَ الإمكانِ

في جنّةٍ غَنّاءَ فِرْدَوْسِيّةً

محفوفةٍ بالرَّوحِ والرّيحانِ

وتوقّدتْ بالجمر من نارنجها

فكأنّما خُلِقَتْ من النّيرانِ

وكأنّهنّ كراتُ تبرٍ أحمرٍ

جُعِلَتْ صوالجها من القضبانِ

إن فاخر الأترجُّ قال له ازدجر

حتى تحوزَ طبائع الإيمانِ

لي نفحةُ المحبوب حين يَشمني

طيباً ولونُ الصّبّ حين يَراني

منّي المصبَّغ حين يبسط كفّه

فبنانُ كلّ خريدة كبناني

والماءُ منه سبائكٌ فضيّةٌ

ذابتْ على دَرَجاتِ شاذروانِ

وكأنّما سيفٌ هناك مُشَطَّبٌ

ألقَتْهُ يوم الحرب كفّ جبانِ

كم شاخصٍ فيه يطيلُ تَعَجّباً

من دوحَةٍ نَبَتتْ من العقيانِ

عَجَباً لها تسقي الرياض ينابعاً

نَبَعَتْ من الثّمَرَاتِ والأغصانِ

خصّتْ بطائرَةٍ على فَنَنٍ لها

حَسُنَتْ فَأُفْرِدَ حُسْنُها من ثانِ

قُسّ الطيورِ الخاشعاتِ بلاغةً

وفصاحةً من منطقٍ وبيانِ

فإذا أُتيحَ لها الكلامُ تَكَلّمَتْ

بخريرِ ماءٍ دائمِ الهملانِ

وكأنّ صانِعَها استبدّ بصنعةٍ

فخرَ الجمادُ بها على الحيوانِ

أوْفتْ على حوْضٍ لها فكأنّها

منها إلى العَجَبِ العُجابِ رواني

فكأنّها ظَنّتْ حلاوةَ مائها

شهداً فذاقتْهُ بكلّ لسانِ

وزرافةٍ في الجوفِ من أنبوبها

ماءٌ يريكَ الجري في الطيرانِ

مركوزة كالرمح حيثُ ترى له

من طعنه الحلق انعطاف سنانِ

وكأنّها ترْمي السماء ببندق

مستنبطٍ من لؤلؤ وجمانِ

لو عاد ذاك الماءُ نفطاً أحرقت

في الجوّ منه قميصَ كلّ عنانِ

في بركةٍ قامتْ على حافاتها

أُسْدٌ تذلُّ لعزّة السلطانِ

نزَعتْ إلى ظلم النفوس نفوسها

فلذلك انتزعتْ من الأبدانِ

وكأنّ بَرْدَ الماءِ منها مُطفئٌ

ناراً مُضَرَّمَةً من العدوانِ

وكأنّما الحيّات من أفواهها

يَطرَحنَ أَنفُسَهن في الغدرانِ

وكأنّما الحيتان إذ لم تخشها

أخذت من المنصور عقد أمانِ

كم مجلسٍ يجري السرور مسابقاً

منه خيولَ اللهو في ميدانِ

يجلو دماهُ على الخدود ملاحةً

فكأنّهُ المحراب من غمدانِ

فسماؤه في سمكها علويَّةٌ

وقبابه فَلَكِيّةُ البنيانِ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

يا صورة الحسن التي طلعت

المنشور التالي

أدهم كالظلام تشرق فيه

اقرأ أيضاً