على مثل هذا الرزء تفنى المدامع

التفعيلة : البحر الطويل

عَلى مِثلِ هَذا الرُزءِ تَفنى المَدامِعُ

وَتَقنى الهُمومُ الفادِحاتِ الفَواجِعُ

وَتُجنى ثِمارُ اليَأسِ مِن دَوحَةِ الرَدى

وَتُحنى عَلى الوَجدِ الطَويلِ الأَضالِعُ

مُصابٌ عَرانا لا مُصاب شَبيههُ

فِراقٌ بِلا رُجعى وَذِكرى تَتابعُ

وَتَقوى مَبانٍ كُنَّ بِالعلمِ آهَلَت

وَبالذكرِ وَالقُرآنِ فَهي بلاقِعُ

فُجِعنا بِما لَو صُوِّر العَقلُ كَانَّها

فَكامِلُهُ فَيضٌ عَلى الخَلقِ شائِعُ

فَلَم يُر إِلا ثاقِبُ الذهِنِ ذو حِجىً

صَبور عَلى بَلواه لِلّهِ خاشِعُ

فَتاةٌ غَدَت لِلشَمسِ أُختاً وَلَم تَكُن

لصون أَوجَبَتهُ الطَبائِعُ

منعمةٌ مَخدومَةٌ حفَّ حَولها

وَلا بُدَّ كُلٌّ حينَ تَأمُرُ طائِعُ

يَرِفُّ عَلَيها الحسنُ يَندى غَضارَةً

كَما اِخضَلَّ غُصنٌ في الخَميلَةِ يانِعُ

ملازمةٌ للحِجلِ تَتلو قُرآنَها

بِقَلبٍ يَعِي وَالطَرف بِالدَمعِ هامِعُ

وَيَبدو سَناها مِن خَصاصِ حِجالها

كَما لاحَ نورُ البَدرِ وَالنورُ ساطِعُ

فَما لَقِيت بُؤساً وَلا فُقدت غِنىً

وَلا راعَها يَوماً مِن الدَهرِ رائِع

وَتَلعبُ طوراً بِالنُضار وَتارَةً

بِدُرٍّ طَريٍّ لَم يُثَقِّبهُ صانِعُ

وَما أَعمَلَت يَوماً إِلى شُغُلٍ يَداً

سِوى قَلمٍ تَثنى عَلَيهِ الأَصابِعُ

تَخُطُّ بِهِ القُرآنَ وَالسِنَن الَّتي

أَتَت عَن رَسولِ اللَهِ وَالخَطُّ بارعُ

وَقَد نَشَأت ما بَين تَقوى وَمُصحَفٍ

فَلا الذكرُ مَقطوع وَلا الدين ضائعُ

وَما هَمُّها فيما النساءُ يَرَونَهُ

لِباس وَتَزيين وَخلّ يَباضِعُ

أَجَل هَمُّها تَحصيلُ أَجرٍ تُعِدُّهُ

لِيَوم معادٍ أَو كِتابٍ تُطالِعُ

تطالعُ تَفسيراً وَنَحواً مُلطفاً

وَفِقهاً وَتَأريخاً وَطبّاً تُراجِعُ

وَقَد قَصَدت إِكمالَ أَركانِ دينِها

بحجٍّ لِبَيتِ اللَهِ وَالقَصد نافِعُ

فَحجَّت وَزارَت خَيرَ مِن وطِئ الثَرى

نَبيٌّ كَريمٌ في ذوي الحَرم شافِعُ

وَلَمّا قَضى الرَحمَنُ إِنفاذ حُكمِهِ

وَكُلُّ الَّذي قَد حُمَّ لا شَكَّ واقِعُ

قَضَت نَحبَها شَرخَ الشَبابِ شَهيدَةً

وَلَم تَكُ مِمّن في الحِمامِ تُنازِعُ

وَلَكن بذهنٍ ثابِت قَد تَشهَّدَت

ثَلاثاً وَفاضَت وَهيَ فيهِ تُراجِعُ

وَلَم تَقضِ حَتّى قَد رَأَت مُستَقَرَّها

مِن العالمِ العُلوِيِّ وَالروح طالِعُ

وَكانَ لَها يَومٌ عَظيمٌ لِمَوتِها

فَأعولَ نِسوانٌ وَشُقَّت مَدارِعُ

وَكانَت قَد أَوصَت لا يُناعُ إِذا قَضَت

فَما قَبلت تِلكَ الوصاةَ السَوامِعُ

تَمشّى سَراةُ الناسِ ظُهراً أَمامَها

وَصلّوا عَلَيها وَالدُعاءُ مُتابَعُ

وَسارُوا أَمامَ النَعشِ حَتّى أَتَوا بِها

لِمنزِلِها وَالقَبرُ أَقبَح واسِعُ

وَلَما أَثارُوا بالمساحي بَدا لَهُم

تُرابٌ كَمثلِ الوَرسِ أَصفَرُ فاقِعُ

وَفاحَ أَريجُ المسكِ مِن جَنباتِهِ

كَأَنَّ بِهِ تجرَ اللطائِمِ واضِعُ

أَيا تُربَةً حلَّت نُضارُ قَرارها

سَقاكِ مِن الغَيثِ الهَوادي الهَوامِعُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

وكلفتني أمرا لو ان أقله

المنشور التالي

أرى بصري قد قل إذ صرت مبتلى

اقرأ أيضاً