قد صح عزمك والزمان مريض

التفعيلة : البحر الكامل

قد صَحّ عزمك والزمان مريض

حتّام تذهب في المُنى وتَئيض

ما بال همّك في الفؤاد كأنه

عظم يُقَلْقَل في حشاك مَهيض

كم بِتَّ معتلج الهموم بليلة

ما للظلام بفجرها تقويض

طنّت بمسمعك الهواجس في الدجى

فنفت كراك كما يطِنّ بعوض

تنبو جُنوبك عن فراش ناعم

فكأن مَضجعك الدَميث قضيض

وكأن جنبك بالجوى متقرّح

وكأن قلبك بالهموم رضيض

كُبرت لنفسك في الحياة لُبانة

ضاقت سموات بها وأروض

ما زلت تقتحم المهالك دونها

فالهولَ تركب والصِعابَ تروض

لله أنت فأيَّ هول تمتطي

أم أيَّ معتَرَك الخطوب تخوض

ولربّ قافية كمُئتِلق السنى

يجلو الشكوك يقينها الممحوض

صَرحت في إنشادها بحقيقة

فات الأنام بمثلها التعريض

ولقد أجَرَّني القريضُ عِنانَه

ونَحا بيَ المضمار وهو مروَض

وأتى المدى يوم السباق مُجَلِّياً

يَجري سَبوح خلفه ورَكُوض

قد كنت أنبِط للقريض قريحةً

بمفاخر العرب الكرام تَفيض

ولكَم وقفت من السياسة موقفاً

مَحيايَ فيه على التَوىَ معروض

مستنهضاً بالشعر قومي للعلا

إذ كان يهم فترةٌ ورُبوض

أيام لم يَنطق بذلك شاعر

قبلي ولم يُنشَد هناك قريض

حتى إذا دار الزمان مداره

خاب القريض وعاد وهو جَريض

وغدا يُنازعني الحَرُورة شاعر

ما كان حرّاً شعره المقروض

ويَبُزّ في ثوب الأمانة خائن

كأبي براقش طبعه المرفوض

كم مُدِّعٍ دعواي في وطنيّةٍ

أنا كنت أبنيها وكان يَقُوض

من كل عبد في السياسة باعه

وشراه هذا الدرهم المقبوض

تعس المخاصم إن لي لقصائداً

طرف المعاند دونهنّ غضيض

فإذا ادّعَيت فهنّ في دعواي لي

حُجج دوامغ ما لهنّ دحوض

وسل اليراع يُجِبْك عني ناطقاً

بمقال صدق ليس فيه غموض

لما تكرّهتي الأراذل سرّني

أني إليهم يا أُميم بغيض

ولقد بَرِئت إلى الوفاء من اميءٍ

عهد الصداقة عنده منقوض

وحزَيت كل صنيعة بمثالها

إن الصنائع في الرجال قُروض

لا تَطلُبنّ من الزمان حقيقةً

ما للحقيقة في الزمان وميض

وإذا مخضتَ من الليالي صَرفها

أبدى العجائب صرفها الممخوض

وحوادث الأيام مثل نسائها

في الحكم تَطُهر تارةً وتَحيض

ولربّما أنتَجْن كل كريهة

سوداء تَقنأ في وغاها البيض

قد ساء مُنقلَب البلاد بأهلها

فانحطّ أوْج واشمخر حضيض

ذهب الحياء فكم رأينا صاغراً

قد جاء وهو لمِذْرَوَيه نَفُوض

وَقِح تعامى عن مدانس عِرضه

فزهاه عُجباً ثوبه المَرْحوض

غَلَب الشقاء على الأنام فخيرهم

دَثٌّ وقَطر شرورهم اغريض

كيف السعادة في الحياة وللورى

في قوس كل ضغينة تنبيض

أم كيف تَبتدع المعالي أمةٌ

في العلم قلّ نصيبها المفروض

لن تَعدَم الدنيا الشقاءَ بأهلها

ما دام مُلك في البلاد عَضوض

ويح الذكاء فقد تأخرّ أهله

حتى تقدّم مَن قفاه عريض

أخزى البلاد مفاسداً بلد به

مُقت الأديب وأكرم العِرِيض

وإذا الفتى قعدت به أفعاله

أعياه بالنسب الرفيع نُهوض

والمرء إن عَدمِت سجّيته العلا

لم يَبتعثه إلى العلا تحريض


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

رويدك غورو أيهذا الجنيرال

المنشور التالي

خطاب يهودا قد دعانا إلى الفكر

اقرأ أيضاً