كان أبو الطيّب امرأ قوله

التفعيلة : البحر المنسرح

كان أبو الطيّب امرأ قوله

يبتكر الشعر مذكياً شعله

صاحب نفس كبيرة شرفت

فشرّفت حلّه ومر تحله

كان هو الشاعر الذي انتشرت

أشعاره في البلاد منتقله

أوجدت للشعر دولة عظمت

به فعزت من غيره دوله

من كل معنىً أغرّ مؤتلق

في لفظه كالعروس في الحجلة

وربما رقّ لفظه فبدت

في شعره كل كلمة ثمله

وربما لم تبن مقاصده

لأنها فيه غير مبتذله

فسائلهن عن قريضه حلباً

كم قطفت من زهرة خضله

خلّد ذكراً لسيف دولتها

أيام وشى بمدحه خلله

فاعجب لسيف لم تبل جدّته

وشاعر بالمديح قد صقله

لو حاز موسى مضاء عزمته

ماتاه في التيه عندما دخله

وهو الذي اجتازه بيعملَة

تحمل منه الهمام لا التكله

قد بات كافور من جراءتها

على الموامي بمهجة وجله

إِذ أعجزته بالسير عن طلب

لا خيله تختشي ولا ابله

فسل به النيل يوم ناقته

تغمرّت منه وانتحت جبله

كيف أتى مصر كالعقاب لكي

يبلغ فيها بشعره أمله

وكيف أحيا بالمدح أسودها

ثم وشيكا بهجوه قتله

في شعره حكمة مهذّبة

وروعة بالذكاء مشتعلة

ونغمة بالشعور صادحة

وصنعة بالفنون متصّلة

قدرته في البيان واسعة

يتيه فيها السؤال والسأله

إذا المعاني بذهبه ازدحمت

ما ربكت في انتقائها حيله

كم شاعر قد قفا له أثراً

وناقد راح يبتغي زلله

فأخفقوا عاجزين عن درك

لبعض ما كلّه تيسرّ له

قل لابن عبّاد أيّ منقصة

من أجلها كنت مكثراً عذله

أطبعه بالذكاء متقداً

أم نفسه بالاباء مشتمله

أم شعره والعصور ما برحت

تسعى بل استجادة قبله

لكنما رمت من مدائحه

ما لم تكن سالكاً له سبله

طماعة منك غير واعية

وهي لعمري حماقة وبله

أكبر من أكبر القريض به

وأكبر القاتلين من قتله

يا قاتليه لو تعلمون به

أذن قتلتهم نفوسكم بدله

لكنكم تجهلون رتبته

ماذا فعلتم يا أجهل الجهله

قتلتم الشعر والاجادة والاب

داع فيه يا ألأم القتله

لستم بذا القتل من بني أسد

بل أنتم فيه من بني ورله

لم يزل الدهر بعد مقتله

يضرب في الشعر للورى مثله

كان له عند كلّ بادهة

بدائع في القريض مرتجله

يصطاد في الشعر كلّ شاردة

من القوافي بفطنة عجله

فلا تقسه بغير أدباً

وهل تقاس المعطار بالتفله

كم شاعر يدعي وليس له

من شعره غير منطق الحجله

أن أنت أنشدت شعره هزؤاً

رجعت منه كآكل البصله

وربّ شعر إذا لفظت به

من هجنة فيه تأنف السبله

الشعر معنىً ألفاظه حسنت

فنسّقت في بلاغة جمله

وكلما قصَرت قوالبه

عن حسن معناه أوسعت خلله

حسن المعاني بلفظها مشوهٌ

كحسن حسناء ثوبها سمله

من ذاق في الشعر طعم معجزه

فأحمد الشاعر الذي أكله

أي مقام هيجاؤه احتدمت

بالشعر يوماً ولم يكن بطله

كان عزيزاً يأبى الهوان فما

قرّ عليه يوماً ولا قبله

كم منزل قد نبا به فسرى

مُتّخذ الليل في السرى جمله

كان كما قال وهو مفتخر

بفضل ما قاله وما فعله

جوهرة يفرح الكرام بها

وغصّة لا تسيغها السفله


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

من كان يأرق بالهموم

المنشور التالي

حي هل يا أخا مصر

اقرأ أيضاً

عجبت لهاذا الزائر المترقب

عَجِبتُ لِهاذا الزائِرِ المُتَرَقِّبِ وَإِدلالِهِ بِالصَرمِ بَعدَ التَجَنُّبِ أَرى طائِراً أَشفَقتُ مِن نَعَباتِهِ فَإِن فارَقوا غَدراً فَما شِئتَ…

نور على نور

نَحنُ في مَأْتَمِ عُرْسٍ نَتَباكي ضَحِكاً مِن طَلْعَةِ السَّعْدِ النَّحيِسْ! العَروسُ اغْتُصِبَتْ في أوَّلِ اللّيلِ ومَاتَتْ. وَاستَمَرَّ الحَفلُ…