قدمت قدوم الغاديات السواجم

التفعيلة : البحر الطويل

قَدِمْتَ قدومَ الغادياتِ السَّواجمِ

فبُرِكْتَ من دانٍ إلَينا وقادم

طلعتَ طلوعَ البدرِ في غاسق الدُّجى

على حالك من غيهب اللَّيل فاحم

وأَقبَلْتَ إقبالَ السَّعادةِ كلّها

بأَبلجَ وضَّاحِ الأَسارير باسم

تحفُّ بك الآمال من كلّ جانب

ويحجُبُك الفرسان من كلّ صارم

فلم تُبْقِ ريقاً ماحلاً ما سقته

فأَخْصَبَ في خفضٍ من العيش ناعم

متى شئتَ غادَرْتَ البلاد كأَنَّما

سَقَتْها الغوادي ساجماً بعد ساجم

وإن قُلتَ لم تترك مقالاً لقائل

ولا تختشي في الله لومة لائم

أتيتَ أَتيَّ الغيثِ والغيثُ دونه

إذا انهلَّ في أعلامها والمعالم

وجئتَ بأَبطال الرِّجال تقودُها

أَماثِيلَ سيل العارض المتراكم

إذا ائْتَمَرَتْ يوماً بأَمرِكَ بادَرَتْ

إلى أَمرك العالي بدار الضراغم

تَشُكُّ صدور الدَّارعين رماحها

فهل كانت الخطيّ سلكاً لناظم

أَعاريبُ ما دانَتْ لسكنى مدينةٍ

ولا دَنَّسَتْ أَخلاقَها بالأَعاجم

مطاعينُ في الهيجا مغاويرُ في الوغى

وقائِعُهمْ معلومةٌ في الملاحم

ولم يَغْنَموا غير الفخار غَنيمةً

وما الفخر إلاَّ من أجلِّ المقاسم

لقد زُرْتَ مَنْ لو شكَّ أنْ لا تَزورَهُ

رأى عزَّه الموجودَ أضغاثَ حالم

تَشرَّفَ قومٌ أكرَموكَ بِرَغْمهم

ومُيِّزتَ فيما بينهم بالعلائم

لئنْ عدَّدوا تَوفيقَك القومَ نعمةً

فأَنت بحمْد الله فوقَ النعائم

لهم بك فخرٌ ما بقيتَ لهم به

ولا فخر إلاَّ منك يوماً بدائم

وقمتَ بأَمرٍ لا يقومُ بمثله

سواك وما كلٌّ عليه بقائم

وقد نُبتَ فينا بعد عيسى وبندر

منابَ الغوادي واللّيوث الضياغم

وما هدم الله البناءَ الَّذي بهم

وأنْتَ لهُمْ بَيتٌ رفيع الدعائم

وما أخْلَفَتْ تلك النجومُ بصيّبٍ

من المُزنِ مرجوٍّ بتلك المواسم

فقد صُلْتَ حتَّى خافك الحتف نفسُهُ

وما استعْصمَ المفراق منك بعاصم

وبارَزْتَ حتَّى لم تجد من مبارزٍ

وصادَمْتَ حتَّى لم تجد من مصادم

وأَرْغَمْتَ آناف الخطوب فأَدبَرَتْ

بذلَّةِ مرغومٍ لعزَّةِ راغم

فلم نرَ من صرف الزَّمان محارباً

تنازله الأَرزاء غير مسالم

إذا كنتَ للمظلوم في الدَّهر ناصراً

فما صالَ هذا الدَّهر صولة ظالم

بَسَطْتُمْ يداً في بطنها نَيْلُ نائل

وفي ظهرها طول المدى لثم لاثم

نشَرتُمْ بها أخبارَ كعب وحاتم

وقد طُوِيَتْ أخبارُ كعب وحاتم

نزلتم على الشمّ الرعاف منازلاً

غواربَ أعلام العُلى والمناسم

رَقِيتُم بأطراف المعالي معالياً

من المجد ما لا تُرقى بالسَّلالم

مَغانيكُمُ للوافدين مغانمٌ

فأَكرِمْ بهاتيك المغاني المغانم

أرى النَّاس أَفواجاً إلى ضَوْءِ نارِكم

حِثاث المطايا عاليات العزائم

فمِنْ مُعْتَفٍ يرجو سماحةَ سيِّدٍ

ومن ضارعٍ يرجو تعَطُّفَ راحم

نَعَمْ هذه للطارقين بيوتكم

بيوت المعالي والندى والمكارم

غياثٌ لملهوفٍ وأمنٌ لخائفٍ

ومأوًى لمأمونٍ ووِرْدٌ لحائم

منازل لم ينزل بها غير ماجد

كريم السَّجايا من قروم أكارم

وقد سُدْتُم السَّادات بأساً ونائلاً

بفضلٍ وإحسانٍ ورمحٍ وصارم

فلا تحفِلُوا من بعد هذا بقاعدٍ

كما لم تبالوا إنْ قَعَدْتُم بقائم

فلا يَحْسَبَنْ من لم ترعه سيوفكم

إطاعتكم عن ريبةٍ حكمَ حاكم

فلم تكُ إلاَّ طاعةً وتَفَضُّلاً

على من لكم من مثله ألف خادم

فكان رضاه ما رضيتم لحزمه

وليس الَّذي يأبى رضاكم بحازم

فلو قارعتكم منه يوماً قوارعٌ

لأَصبَحَ منكم قارعاً سنَّ نادم

رَأَتْ عينُه من بأسكم بعض رؤية

فكانت له إذ ذاك إيقاظ نائم

إذ استعظمت ما قد رأت وأراعها

جلال عظيم في الأُمور العظائم

وما قد رأى الرَّاؤون آل محمَّد

نظيراً لكم في عصرها المتقادم

وجوهٌ كما لاحَ الصَّباحُ مضيئة

وأيدٍ ولكن فوقَ أيدي الغمائم

وبيضٌ حِدادٌ جُرِّدَتْ بأكُفِّكم

فأَغْمَدْتُموها في الحشا والجماجم

تنوح على القتلى غداة صليلها

نواحَ حِمامٍ لا نواح الحمائم

إذا ابتَسَمَتْ والقرمُ تدمى كلومُهُ

بكَتْ بدمٍ قانٍ بتلك المباسم

حَمَيْتَ بها أرضَ العراق وأهلَهُ

وسوَّرْتُموها بالقنا والصَّوارم

فَدَتْكَ ملوكٌ لا يُرَجّى نوالها

وما لاحَ منها برق جود لشايم

قد اجتنبت هذي الملوك الَّتي ترى

مطامع راجيها اجتناب المحارم

أما والَّذي أعطاكَ ما أنتَ أَهْلُهُ

وولاّك في الدُّنيا رقاب العوالم

لوَ انِّي اسْتَغْنَيْتُ عن سائر الورى

فَوِرْدي إذَنْ من بحريَ المتلاطم

فما قلتُ بيتاً في سواك ولا جرى

به قلمي يوماً بمدح ابن آدم

فعش سالماً واسلمْ لنا ولغيرنا

فما المجد إلاَّ ما سَلِمتَ بسالم


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

هنيئا لكم هذا الهناء المجدد

المنشور التالي

طرقت أسماء في جنح الظلام

اقرأ أيضاً

المستقبل

يَدرجُ النَّملُ إلى الشُّغْلِ بِخُطْواتٍ دؤوبَهْ مُخلصَ النِّيةِ لا يَعملُ درءاً لعقابٍ أو لتحصيلِ مَثوبَهْ جاهِداً يَحفرُ في…