ويوما قطعناه سرورا ولذة

التفعيلة : البحر الطويل

وَيَوماً قَطَعناه سُروراً وَلَذَّةً

نُجاذِبُ أَطرافَ الحَديثِ المُنَمَقِ

ندامى وَفاءٍ لا جَفاءَ لَديهمُ

مَكارِمُهُم خَلقٌ بِغَيرِ تَخَلُقِ

قَد ارتَضعوا كَأسَ الوفاقِ فَلا تَرى

خِلافاً لَدَيهم في فَعالٍ وَمَنطِقِ

صَفَفنا حَوالي بُركَةٍ راق ماؤُها

وَرَقَّ كَأَخلاقٍ لَنا لَم تُرَنَّقِ

سَبَحنا بِها عَوماً فَغارَت لِسِبحنا

إوَزٌ فَفاتَتنا تَصيحُ وَتَلتَقي

وَناعورةٌ تَحكي بِطولِ بُكائها

وَرَنَّتِها صَبّا كَثيرَ التَشَوُّقِ

لَئِن ضاقَ مِنها الجفنُ مِن عَبَراتها

فَأَضلاعُها عَن دَمعِها لَم تُضَيَّقِ

بَكَت فَأَرَتنا الدَهرَ يَضحكُ إِذ بَكَت

وَناحَت فَأَزرَت بِالحَمامِ المطَوَّقِ

وَقَد ضَمَّنا وَسطَ الرِياضِ مُكَعَّبٌ

كَطَوقٍ بِجيدٍ أَو كَتاجٍ بِمِفرَقِ

تُطالِعنا الشَمسُ المُنيرةُ لَحظَها

مسارقةً مِنها تَطلُّع شَيِّقِ

وَتُلقي عَلَينا مِن شَبابيكِ نورها

شُعاعاً يحاكي نَقشَ بُردٍ مُنمَّقِ

إِذا ما التقَى بالماءِ مِنها شُعاعُها

تَأَلَّق بِالحِيطانِ أَيّ تَأَلُّقِ

فَيَرقُصُ مِنها الظِلُّ في جُدراتها

إِذا الماءُ أَضحى بِالصبا ذا تَرقرُقِ

وَغابَت فَباتَ البدرُ يَحرُسُنا لَها

رَقيباً عَلَينا مِن حذارِ التفرُّقِ

لَئن جُذِبَت قَسراً إِلى نَحو مَغرِبٍ

فَعَمّا قَليلٍ سَوفَ تَبدو بِمشرِقِ

فَيا عَجَباً للنَيِرينِ تَشوّقا

إِلَينا وَمن نَهواهُ لَم يَتَشَوَّقِ

وَلا عَجَبٌ وَالشكلُ يَشتاقُ شَكلَهُ

وَيُضحي بِهِ وَجداً شَديدَ التَعلُّقِ

لَنا مَجلِسٌ فيهِ نَدامى كَأَنَّما

سُقُوا بِكُؤوسِ الودِّ غَيرِ المُرَنَّقِ

كَواكبُ أَضحى في الأَثير مَقَرُّها

وَللشرفِ الأَعلى تَسيرُ وَتَرتَقي

إِذا نَفحةٌ قُدسِيَّةٌ شَرَفِيَّةٌ

تَهبُّ شَمَمنا عَرفَ مِسكٍ مُفَتَّقِ

وَمَهما تَنازَعنا كُؤوسَ حَديثِها

سَكِرنا بِأَشهى مِن رَحيقٍ مُعَتَّقِ

مُحادَثةٌ تَسبِي العُقولَ وَصورة

تَمامٌ فَبُغيا سامِعٍ أَو مُحَدِّقِ

حَوى شرفُ الدينِ المَكارمَ كُلَّها

فَقُل ما تَشا فيهِ مِن الخَيرِ تَصدُقِ

لَقَد جُبِلَت مِنهُ السَجايا عَلى فَتىً

أَمَدَّ بِإِحسانٍ وَأَوفى بِموثَقِ

يُقيِّدُ آمالاً بِمالٍ مُسَرَّحٍ

وَيَجمَعُ خِلّانا بجُودٍ مُفَرَّقِ

وَيُشفِقُ أَن يَلقى صَديقاً مُعاتِباً

وَلَيسَ عَلى جَمعٍ لِمالٍ بِمُشفِقِ

يَزيدُ عَلى الإِقلالِ مِنهُ سَماحَةً

وَيُغضي حَياءً عَن سَفاهَةِ أَخرقِ

فَلَيسَ الَّذي يُؤذِي عِداهُ بِمنجَحٍ

لَدَيهِ وَلا باغي جَداهُ بِمخفِقِ

وَنِسبتُهُ للقُدسِ أَيَّةُ نِسبَةٍ

تَدُلُّ عَلى التَطهيرِ مِن كُلِّ موبِقِ

إِمامَتُهُ في العلمِ ثابِتَةٌ لَنا

بنصٍّ وَإِجماعٍ ورَأيِ المُدَقِّقِ

تُناجيهِ نَفسٌ بِالعلومِ وَغَيرُهُ

يَلوذُ بِتَجميعِ الكَلامِ المُلَفَّقِ

وَقَد نُقِشَت كُلُّ العُلومِ بِصَدرِهِ

فَأكرِم بِحبرٍ نَيِّرِ النَفسِ مُشرِقِ

وَقابَل مِنها الجنسُ مرآةُ عَقلهِ

فَمثل فيها كُلَّ نَوعٍ مُحقَّقِ

بَديهَتُهُ أَعيَت رَوِيَّةَ غَيرِهِ

وَفكرَتُهُ قَد أَعجَزَت كُلَّ مُفلقِ

بَنانٌ بِهِ يَبدو البَيانُ مُوشَّعا

بِمُظلِم نَقشٍ وَسطَ نَيرٍ مُهَرَّقِ

بِنظمٍ كَزُهرٍ في المَجرة سُبَّحٍ

وَنَثرٍ كَزَهرٍ غبَّ أَو كَف مُغدِقِ

وَذِهنٍ كَأَنَّ النارَ مِنهُ تَوَقَّدَت

فَلَولا نَداهُ كانَ من يَدنُ يُحرَقِ

وَجُودٍ كَأنَّ السُحبَ مِنهُ تَعَلَّمَت

فَلولا ذكاء كانَ مَن يُعطَ يَغرَقِ

رَسا فَكَأنَّ الطَودَ يَحكي ثَباتَهُ

همى فَكَأنَّ الجودَ بِالبَحرِ مُلتَقِ

إِذا عَصَتِ الناس القَوافي فَإِنها

تُطاوِعُهُ فيما يَشاءُ فَينتَقي

وَإِن راجَعَ الناسُ الدَفاتِرَ لَم يَكُن

يُراجعُ إِلا فِكرهُ ذا التَدفُقِ

وَإِن أَصلَدُوا يَوماً زِناداً فَإِنَّهُ

لَيُوري بِها نارَ الذَكاءِ المُحَرِّقِ

فَلا مُشكلٌ إِلا بَدا غَيرَ مُشكِلٍ

وَلا مُغلَقٌ إِلا غَدا غَيرَ مُغلَقِ

فَصيحُ مَقالٍ حينَ يَخرَسُ قسُّهُم

فَسيحُ مَجالٍ إِن يَحِلُّوا بِمأزِقِ

يَسهِّل ما قَد كانَ حَزنا وَطالَما

أَجَدَّت لَنا آدابُهُ كُلَّ مُخلَقِ

إِذا تُلِيَت في الناسِ آيُّ محمدٍ

تَرى كُلَّ ذي سَمعٍ مَتى يُصغِ يُطرِقِ

وَيَأتي مِن النَظمِ البَديعِ بِمُعجزٍ

يَطيحُ لَدَيهِ نَظم كُلِّ مُخرِّقِ

وَكانَ ابنُ مُوسانا عليٌّ مُؤيداً

أَتى بشذورٍ لحنَ كَالجَوهَرِ النَقي

وَأَبدَعَها في العالمينَ فَرائِداً

جَمَعنَ إِلى الإِبداعِ حُسنَ التَأنُّقِ

وَكانَ بِها نَقصٌ فَجاءَ مُكمِّلا

لِذاكَ ابنُ موسى بِالكَلامِ المطَبَّقِ

تَشابَه نَظماً إِذ حَكاه كَأَنَّهُ

جَريرٌ وَقَد بارى نِظامَ الفَرَزدَقِ

فَإِن لا يُكنهُ فَهوَ لا شَكَّ صِنوُهُ

لقي في هَوى لَيلى كمثلِ الَّذي لَقي

أَقاما لَها في الذهنِ أَبدَعَ صورَةٍ

لَطيفةِ مَعنىً رائِقِ اللَفظِ مونقِ

وَقَد حَجباها ضِنَّةً أَن يَنالَها

فَتى غَيرُ أَهلٍ للندى وَالتَصدقِ

وَكَم أَرِقا فيها التِذاذاً وَأَرَّقا

وَمَن يَعشَقَن لَيلى يُؤرِّق وَيأرقِ

وَما اِدَّعيا فيها وَلَكن كِلاهُما

سُقي مِن هَوىً لَيلاً بِراحٍ مُوَرّقِ

فراقَ لَها وَقتٌ وَقَد لاحَ نورُها

مِن أَندلسٍ لِلقُدسِ تَسري وَتَرتقي

لَقَد بطَنَ الأَمرُ الَّذي هُوَ ظاهر

لِليلى فَأَصبت ذا السَعادةِ وَالشَقِي

فَكَم مُعسِرٍ قَد آيَسَتهُ وَلَم يَصِل

وَكَم مذهَب قَد فَلَّسَته وَمُورِقِ

رَأى قَمراً قَد صارَ شَمساً فَغَرَّهُ

تنقُّلُ لَونٍ في صَفاءٍ وَرونقِ

وَما ذاكَ إِلا حُمرةُ الخجلِ الَّتي

تَزولُ عَلى قُربٍ بسَيرٍ وَمَيلَقِ

وَما أَنا في لَيلى وَلا ابني وَلا ابنُهُ

نَظيرَ عليٍّ أَو محمدٍ التَقِي

عليٌّ لَهُ شِبهٌ بِخُلق محمدٍ

أَخُوه بِلا شَكٍّ سُقي فَضلَ ما سُقِي

وَإِنَّ عَليّاً مِن محمدٍ الرَضِي

كَهارونَ مِن مُوسى حَديث المنطقِ

وَكَم مِن يَدٍ بَيضاءَ جاءَ لَنا بِها

فَأَغنى ابنُ موسى كُلَّ أَغبرَ مُملِقِ

أَيا دَوحَةَ الفَضلِ الَّتي طابَ أَصلُها

وَمَدَّت عَلَينا ظِلَّ فَينان مُورِقِ

لَقَد عَمَّ مِنكَ الجودُّ ناساً وَخَصَّني

فَها أَنا عَن تَقييدِهِ غَيرُ مُطلَقِ

يَظُنُّ الأُلى قَد عاصَروكَ بِأَنهم

حَكَوك لَقَد خابَت ظُنون المُصدِّقِ

وَما ثمدٌ بادي الحَصاةِ بِمُشبِهٍ

لِبَحرٍ زَخورٍ بِالمَعارفِ مُتأَقِ

فَذاكَ دَعِيٌ في المَعارفِ جاهِلٌ

وَذو نَسَبٍ بَينَ الأَفاضِلِ مُلصَقِ

يَرى البُخلَ مَدحاً وَالتَرافُعَ رِفعَةً

فَأَحسِن بِهِ مِن أَشدَقٍ مُتَفَيهِقِ

أَما لاحَظُوا مِنكَ التَواضُعَ شيمَةً

وَسُحبَ النَدى كَالعارِضِ المُتأَلِّقِ

وَردت النَدى زُرقَ الحمامِ وَحلَّقوا

عَلَيهِ وَما ذو الوَردِ مثلَ المُحَلِّقِ

فَخُذ مِن نَصيرٍ مدحَةً في محمَّدٍ

وَدَع قَولَ أَعشى في جِفانِ المُحَلّقِ

أَنفتُ عَلى صَحبي بِمَدحِي لَكم وَقَد

أَنِفتُ لَهُم عَن مَدحِ كُلِّ مُرهقِ

أَتَتني المَعاني العُقمُ وَالكَلِمُ العُلى

وَجاشَت بِصَدري فَيلَقاً بَعدَ فَيلَقِ

فَفَكَّرتُ وَهناً أَيُّها أَنا ناظِمٌ

وَسامرتُها أَختارُ مِنها وَأَنتَقِي

أجانِبُ وَحشِيّاً كَثيفاً سَماعُهُ

وَأَجنُبُ إِنسِيّاً لَطيفَ التَرَفُقِ

إِذا ما مَضى بَيتٌ تَلاهُ نَظيرُهُ

سَريعاً وَإِن لَم أَدعُ آخرَ يَلحَقِ

فَلا الفِكرُ مَكدودٌ وَلا الشعرُ غامِضٌ

وَلَكنَّهُ كَالبَحرِ إِن يطمُ يَفهَقِ

كَأنَّ القَوافِي قَد عَلِمنَ بِمَن لَهُ

يُنَظّمنَ فَانثالَت وَمَن يَقوَ يَسبُقِ

بَرَزنَ لَنا دُرّاً نثيراً وَإِنَّما

يَزينُ اللآلي النظم بَعدَ التَفَرُّقِ

أَجَدتُ نِظامَ الشعرِ حَتّى كَأَنَّني

لِجودَتِهِ مِن بَحرِ عِلمِكَ أستَقِي

وَما جادَ هَذا النُطقُ إِلا لأَنَّهُ

تَضمَّنَ أَوصافَ الجَوادِ المنطقِ

وَإِني وَإهدائي لَكَ النظمَ كَالَّذي

يَجيءُ برَشحٍ نَحوَ ذا ماء مُغرِقِ

برَوعي أَضحى روحُ قُدسِكَ نافِثا

وَبِالروح مني نَحوَ عَلياكَ قَد رقِي

لَحا اللَهُ دَهراً لَم يَنَل فيهِ فاضِلٌ

مِن الخَيرِ إِلا فَضلَ عَيشٍ مُرَمَّقِ

زَمانٌ بِهِ يَطفُو الأَسافلُ مثلَما

بِهِ يرسُبُ الأَعلَونَ أَهلُ التَحقُّقِ

وَمازالَ دستُ المُلكِ نَحوَكَ شَيِّقا

وَتُكسى مساوي كُلِّ أَنوَكِ مُطبِقِ

أَمثلُكَ تَعرى مِن مَحاسنِهِ العُلى

وَحقٌّ لَهُ مَن يَعدَمِ الكفو يسبِقِ

أَما إِنَّهُ لَو كُنتَ كاتبَ سرِّهِ

لأَصبَحَ ذا وشيٍ بَديعٍ مُحَقَّقِ

وَعبَّرَ عَن فَحواه أَفصحُ عالمٍ

بِموجَزِ لَفظٍ أَو بِمُسهَبِ مَنطِقِ

تَأَخرتَ عَن تَطلابِ ذاكَ تَقدُّما

سَعدتَ بِهِ إِذ كانَ غَيرُكَ قَد شَقِي

وَما العِزُّ إِلا في الفَراغِ عَن الدُنى

وَما الذُلُّ إِلا في التَساوي بِأَخرقِ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

بخلت حتى بالورق

المنشور التالي

إن ذا العيد فيه غابت نضار

اقرأ أيضاً

علل النفوس قريبة أوطانها

عِلَلُ النُفوسِ قَريبَةٌ أَوطانُها وَصَلَت فَمَلَّ وِصالَها جيرانُها سَهُلَت لِرائِدِها الجِبالُ ثَبيرُها فَجَليلُها فَشَمامُها فَأَبانُها فَاُشكُر يَدَ الأَيّامِ…