عمرت أبا إسحاق ما صلح العمر

التفعيلة : البحر الطويل

عَمِرتَ أَبا إِسحاقَ ما صَلَحَ العُمرُ

وَلازالَ مَزهُوّاً بِأَيّامِكَ الدَهرُ

لَنا كُلَّ يَومٍ مِن عَطائِكَ نائِلٌ

وَعِندَكَ مِن تَقريظِنا أَبَداً شُكرُ

وَأَنتَ نَدىً نَحيا بِهِ حَيثُ لا نَداً

وَقَطرٌ نُرَجّي جودَهُ حَيثُ لا قَطرُ

عَلى أَنَّني بَعدَ الرِضا مُتَسَخِّطٌ

وَمُستَعتِبٌ مِن خُطَّةٍ سَهلُها وَعرُ

وَقَد أَوحَشَتني رَدَّةٌ لَم أَكُن لَها

بِأَهلٍ وَلا عِندي بِتَأويلِها خُبرُ

فَلِم جِئتُ طَوعَ الشَوقِ مِن بُعدِ غايَتي

إِلى غَيرِ مُشتاقٍ وَلَم رَدَّني بِشرُ

وَما بالَهُ يَأبى دُخولي وَقَد رَأى

خُروجِيَ مِن أَبوابِهِ وَيَدي صِفرُ

وَقَد أَدرَكَ الأَقوامُ عِندَكَ سُؤلَهُم

وَعَمَّهُمُ مِن سَيبِ إِحسانِكَ الكُثرُ

فَكَيفَ تُرى المَحمولَ كُرهاً عَلى الصَدى

وَقَد صَكَّ رِجلَيهِ بِأَمواجِهِ البَحرُ

تَأَتَّ لِمَوتورٍ بَدا لَكَ ضِغنُهُ

فَإِنَّ الحِجابَ عِندَ ذي خَطَرٍ وِترُ

وَقَد زَعَموا أَن لَيسَ يَغتَصِبُ الفَتى

عَلى عَزمِهِ إِلّا الهَدِيَّةُ وَالسِحرُ

فَإِن كُنتَ يَوماً لا مَحالَةَ مُهدِياً

فَفي المِهرَجانِ الوَقتُ إِذ فاتَنا الفِطرُ

فَإِن تُهدِ ميخائيلَ تُرسِل بِتُحفَةٍ

تَقَضّى لَها العُتبى وَيُغتَفَرُ الوِزرُ

غَريرٌ تَراءاهُ العُيونُ كَأَنَّما

أَضاءَ لَها في عَقبِ داجِيَةٍ فَجرُ

وَلَو يَبتَدي في بَضعِ عَشرَةَ لَيلَةً

مِنَ الشَهرِ ما شَكَّ اِمرُؤٌ أَنَّهُ البَدرُ

إِذا اِنصَرَفَت يَوماً بِعِطفَيهِ لَفتَةٌ

أَوِ اِعتَرَضَت مِن لَحظِهِ نَظرَةٌ شَزرُ

رَأَيتَ هَوى قَلبٍ بَطيئاً نُزوعُهُ

وَحاجَةَ نَفسٍ لَيسَ عَن مِثلِها صَبرُ

وَمِثلُكَ أَعطى مِثلَهُ لَم يَضِق بِهِ

ذِراعاً وَلَم يَحرَج بِهِ أَو لَهُ صَدرُ

عَلى أَنَّهُ قَد مَرَّ عُمرٌ لِطيبِهِ

وَمِن أَعظَمِ الآفاتِ في مِثلِهِ العُمرُ

غَداً تُفسِدُ الأَيّامُ مِنهُ وَلَم يَكُن

بِأَوَّلِ صافي الحُسنِ غَيَّرَهُ الدَهرُ

وَيُمنى بِحِضنى لِحيَةٍ مُدلَهِمَّةٍ

لِخَدَّيهِ مِنها الوَيلُ إِن ساقَها قَدرُ

تَجافَ لَنا عَنهُ فَإِنَّكَ واجِدٌ

بِهِ ثَمَناً يُغليهِ في مَدحِكَ الشِعرُ

وَلا تَطلُبِ العِلّاتِ فيهِ وَتَرتَقي

إِلى حِيَلٍ فيها لِمُعتَذِرٍ عُذرُ

فَقَد يَتَغابى المَرءُ في عُظمِ مالِهِ

وَمِن تَحتِ بُردَيهِ المُغيرَةُ أَو عَمروُ

وَيَخرُقُ بِالتَبذيرِ وَهوَ مُجَرِّبٌ

فَلا يَتَمارى القَومُ في أَنَّهُ غُمرُ

وَمَن لَم يَرَ الإيثارَ لَم يَشتَهِر لَهُ

فَعالٌ وَلَم يَبعُد بِسُؤدَدِهِ ذِكرُ

فَإِن قُلتَ نَذرٌ أَو يَمينٌ تَقَدَّمَت

فَأَيُّ جَوادٍ حَلَّ في مالِهِ نَذرُ

أَتَعتَدُّهُ ذُخراً كَريماً فَإِنَّما

مَرامُ كَريمِ القَومِ أَن يَكرُمَ الذُخرُ

وَإِن كُنتَ تَهواهُ وَتَقلى فِراقَهُ

فَقَد كانَ وَفرٌ قَبلَهُ فَمَضى وَفرُ

وَأَلطَفُ مِنهُ في الفُؤادِ مَحَلَّةً

ثَناءٌ تُبَقّيهِ القَصائِدُ أَو شُكرُ

وَما قَدرُهُ في جَنبِ جودِكَ إِن غَدا

بِرُمَّتِهِ أَو راحَ نائِلُكَ الغَمرُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

أخفي هوى لك في الضلوع وأظهر

المنشور التالي

ليالينا بين اللوى فمحجر

اقرأ أيضاً