بحكم زمان يا له كيف يحكم

التفعيلة : البحر الطويل

بِحُكمِ زمانٍ يا لهُ كيفَ يحكمُ

يُحرّمُ أوطاناً علينا فَتَحْرُمُ

لقد أركبتني غربةُ البين غربةً

إلى اليوم عن رسم الحمى بيَ تَرسُمُ

إِذا كُلَّ عني من سَنَا الصبح أشْهَبٌ

تناول حَمْلي من دُجَى الليل أدهمُ

وتحسبُهُ يرتاضُ في غَرْسِ حمله

وَيُسْرَجُ فيه كلاماً للركوب ويُلجَمُ

لِكُلِّ زَمانٍ واعظٌ وعظه كما

يخط كلاماً بالإِشارة أَبكمُ

وحادٍ رَمى بالعيسِ كلّ مُضِلّةٍ

كأنّ عليه مَجْهَلَ الفيح مَعْلَمُ

وَقَد نَحَرَتْ في كلِّ شَرقٍ ومغربٍ

عليها نُحورَ البيد في العزم أسْهُمُ

وَأَوجفَ حَولَيها الكماةُ ضوامراً

فَلا سنُنْبُكٌ إلّا يَساريه مِنْسَمُ

فمن راكبٍ يأتي به الخصبَ بازلٌ

وَمِن فَارسٍ يَصْلَى بِهِ الحربَ شَيظمُ

فإن تُسرِ في ليلٍ وجيشٍ فإنّها

سفائنُ برٍّ بينَ بحرينِ عُوَّمُ

وصِيدٍ يصيدون الفوارسَ بالقنا

إذا نَكَلَ الأبطالُ في الرّوْعِ أقدموا

ويستطعمون السّمر والبيضَ إنّها

نيوبٌ وأظفار بها الأُسْد تَطْعَمُ

دعَتهُم بُروقٌ بالأَكُفِّ مشيرةً

إِلَيهم وعينٌ عَرْفُهَا يتنَسَّمُ

عصَا شملهم شُقّتْ فشرّق مُنجدٌ

إلى طيّةٍ منهم وغَرّبَ مُتْهِمُ

وما قَدَّ قَدُّ السير بالطُّول سَيْرَهم

وَلكنَّما المُنقَدُّ قَلبي المتَيَّمُ

طَوَى البعدُ عنّا فانطَوَينا عَلى الجَوى

نواعمَ تُشْقي بالنعيمِ وتنعَمُ

دَعُونا نُسايِر حادِياً قادَ نحوها

مسامعَنا منه الحداءُ المُنَغَّمُ

فَما هَذِهِ الأَحداجُ إِلّا قُلوبنا

حَبائِبُنا فيها سَرائِرُ تُكْتَمُ

بِنَفسِيَ من حورِ المها غادَةٌ لَها

فمٌ عن شديدِ الخوف بالصمتِ مُلجَمُ

يَنِمُّ عَلَيها طيبُ رَيّا كَلامها

فَيَدري غيورٌ أَنَّها تَتَكلَّمُ

أُرَجِّعُ بِالشَّوقِ الحنينَ وَإنّما

يهيجُ حنيني عَوْدُها حين يُرْزِمُ

قد سَفَرَتْ في تُوضَحٍ فَتَوضّحَتْ

مسالكهُ للسفرِ واللَّيلُ مظلِمُ

مَرَّتْ على سِقْطِ اللّوى فَتَساقَطَتْ

دموعٌ عليها دُرّها لا ينظَّمُ

وَقَد ضَرّجتْ ثَوبي لدى عينِ ضارجٍ

عليّ جفونٌ ماؤها بالأَسى دَمُ

مَعاهِدُ ما زالَ امرؤ القَيسِ بينها

يُعبّرُ عن عَهْدِ الهوى ويُتَرجِمُ

تَوَهّمْتُها حُلْماً بها فذكرتها

وقد يذكر الإِنسانُ ما يَتَوَهّمُ

وإني لآوي من زمانٍ لبستُهُ

إلى ذِكَرٍ تأسو فؤادي وَتَكْلمُ

ليالِيَ تَسبي اللبّ مِنهُ سَبيئَةٌ

تناولها من كافِرِ القلبِ مُسلِمُ

سُلافَةُ كَرمٍ لَيسَ يَسخو بِمِثلِها

لِغَيرِ فَتى تَحْظَى لدَيه وَتُكْرَمُ

يُطافُ بها في حُمْرَةِ الوردِ جوهراً

له عَرَضٌ وهو السرُورُ المُحرَّمُ

يسيغُ فمي في شِدَّةِ السكر صِرْفَها

وما فَرحةٌ في السَّمعِ إِلّا التَرنُّمُ

فَلِلَّهِ عمرٌ مَرَّ بي فَكَأنّني

به في جنانِ الخُلْد قد كنت أحلُمُ

لياليَ روضُ العيشِ غضٌّ وماؤهُ

نميرٌ ومنقوضُ الشبيبةِ مُبْرَمُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

وطيبة الأنفاس تحسب وصلها

المنشور التالي

يا دار سلمى لو رددت السلام

اقرأ أيضاً