حياة أسر العيش فيها مذمم

التفعيلة : البحر الطويل

حياةٌ أَسرَّ العَيش فيها مَذمَّم

وَناسٌ بِها قَلبُ الخليِّ متيَّمُ

سَقَت كُلَّ قَلبِ كُلّ يَومٍ مَشارِباً

توهَّمَ فيها لَذةً وَهِيَ عَلقَمُ

تَشاغَلَتِ الأَلبابُ فيها مِن الصِّبى

وَلَم تَكُ أَدنى صَبوةً حينَ تحلمُ

تَبطَّلَ كُلٌ بالأَماني وَلَم يَزَل

يَروحُ وَيَغدو وَهوَ لِلمَوتِ مَغنَمُ

وَما الأَرضُ إِلّا قَفرةٌ زَأَرَتْ بِها

أَسودُ المَنايا حَولنا وَهِيَ حوَّمُ

لَها كُلّ يَومِ بَيننا كُلّ مُنذِرٍ

يُنادي عَلينا مُسمِعاً وَهوَ أَبكمُ

تَنَبِّهُنا بَعضاً بِبَعضٍ فَنَنثَني

وَأَجفانُنا في غَفلةِ اللَهو نوَّمُ

خَلَت دونَها شُمُّ الحُصون فَلَم تَكُن

لِساكِنها مِن غارةِ البينِ تعصمُ

وَأَصبَحَ مَن قَد كانَ يُرهَبُ بَأسُهُ

يُناحُ عَلَيهِ بَعدَ حينٍ وَيُرحَمُ

تُرابٌ مِنَ الأَرض اِستوى تَحتَ صورةٍ

تَلوحُ عَلَيها مُدةً ثُم تهدمُ

أَحبَّتَنا ما أَعذَبَ الهَجرَ بَينَنا

إِذا كانَ حَبلُ الوَصلِ لا بُدَّ يَفصمُ

أَنِسنا بِطيبِ الوَصلِ في الأَرضِ مُدةً

وَما طيبُ وَصلٍ بِالتَفرُّقِ يَشؤمُ

سَلامٌ عَلى قَبرٍ تَوسَّدَ تربَهُ

حَبيبٌ عَلَيهِ مِن بَعيدٍ أَسلِّمُ

وَما كانَ يُجدي لَو تَدانى وَدونَهُ

مِن الرَمسِ قَد أَمسى حِجابٌ مُخيِّمُ

لَئن لَم تُصِب عَينِي ثَراهُ فَإِنَّ لي

هُنالك قَلباً مِنهُ قَد قَطر الدَّمُ

وَما جَفَّ دَمعي بَعدَهُ غَيرَ أَنَّهُ

يُدبِّجُ خَضراءَ الرُبَى حينَ يَسجمُ

نَعاهُ لَنا الناعِي فَفِي كُل مِسمَعٍ

كَلامٌ وَلَكن في الأَضالعِ أَسهُمُ

تَنوحُ عَلى فَقَدِ الأَميرِ مُحَمدٍ

رِجالٌ عَلَيهِ بِالدِّما تَتَلَثَّمُ

عَزيزٌ لَهُ في كُلِّ عَينٍ مَدامِعٌ

وَفي كُلِّ قَلبٍ جَمرةٌ تَتَضَرَّمُ

وَكَم مِن جُيوبٍ بَل قُلوبٌ تَشَقَّقَت

عَلَيهِ وَكَم مِن أَوجُهٍ فيهِ تُلطَمُ

وَلمَّا نَعى في أَرضِ لُبنانَ أَوشَكَت

جَنادِلُهُ مِن حَسرةٍ تَتَألَّمُ

كَريمٌ لَهُ مِن آلِ رَسلانَ مَحتِدٌ

وَمِن نَفسِهِ مَجدٌ سَنيٌّ مُعَظَّمُ

وَمِن ذكرِهِ ما يَعجَزُ الدَهرُ سَلبَهُ

وَمِن شُكرهِ في كُلِّ ذي مَنطقٍ فَمُ

أَيا مَن قَضى في غَربةِ الدارِ نازِحاً

فَكُلُّ فُؤادٍ نازحٍ مُتَصَرِّمُ

رُوَيدَكَ ما لِلصَبر بَعدَك مِن يَدٍ

إِذا ما اِقتَضى الصَبرَ المُصابُ العرمَرَمُ

تَرَحَّلتَ في شَرخِ الشَبابِ مُغادِراً

مِنَ الحُزنِ ما يُودي الشَبابَ وَيَهرمُ

وَمِثلَكَ مَن حُقَّ التَأسُّفُ بَعدَهُ

وَغَيركَ مَخلوفٌ وَمِثلكَ يُعدمُ

تَنوحُ القَوافي بَعد يَومِكَ حَسرةً

فنُوشِكُ نَخشى نَثرَها حينَ تُنظَمُ

وَتَندُبكَ الأَقلامُ مِن حَيثُ رَدَّدَت

حَنيناً وَأَجرَت عَبرةً حينَ ترقمُ

وَبَينَ المَذاكي وَالسُيوفِ مَناحةٌ

وَبَينَ الحِجى وَالعلمِ وَالمَجدِ مَأتَمُ

إِلا يا بَني رَسلانَ صَبراً لِفَقدِهِ

فَذَلِكَ مِمَّا يَقتَضيهِ التَكَرُّمُ

إِذا ما دَفَعنا لِلبَليَّةِ مَرةً

وَلَم نَنتَفع بِالحُزنِ فَالصَبرُ أَحزمُ

جَرى قَدرُ المَولَى بِما شاءَ وَاِستَوى

لَدَيهِ جَزوعٌ في الأَسى وَمُسلِّمُ

وَلَيسَ لَنا مِن مَطمَعٍ فاتَ نَيلُهُ

إِذا كانَ ما نَبغيهِ ما لَيسَ يَغنَمُ

وَما كانَ ما لا بُدَّ مِنهُ مُؤخَّراً

يَهونُ لَدَيهِ الرزءُ وَهوَ مُقدَّمُ

وَما الفَرقُ في الحالَينِ إِلا هُنَيهَةٌ

تَمرّ سَريعاً وَالقَضا مُتَحَتَّمُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

في الركب بين هوادج الآرام

المنشور التالي

مقل في دجى العرور نيام

اقرأ أيضاً