من أين من أين يا ابتدائي

التفعيلة : البحر البسيط

من أين من أين يا ابتدائي

ثم إلى أين يا انتهائي

أمن فناء إلى وجود

ومن وجود إلى فناء

أم من وجود له اختفاء

إلى وجود بلا اختفاء

خرجت من ظلمة لأخرى

فما أمامي وما ورائي

ما زلت من حيرة بأمري

معانق اليأس والرجاء

إن طريق النجاة وعرٌ

يكبو به الطرف ذو النجاء

يا قوم هل في الزمان نطس

يهدي إلى ناجع الدواء

لأي أمر ذِهِ الليالي

تأتي وتمضي على الوِلاء

فتطلُع الشمس في صباح

وتغرُب الشمس في مساء

أرى ضياءً يروق عيني

ولست أدري كنه الضياء

وما اهتزاز الأثير إلا

عُلالة نزرة الجلاء

نحن على رغم ما علمنا

نعيش في غيهب العماء

نشرب ماء الظنون عبّاً

فلم نَعد منه بارتواء

تأتي علينا مشاهدات

نروح منهنّ في مراء

وكم نرى فعل فاعلات

من القوى وهي في الخفاء

با ويلة الحسّ إنه عن

حقيقة الأمر في غطاء

فإن أجزاء كل جسم

مبتعدات بلا التقاء

وفي دقاق الجماد عرك

يتّهم الحسّ بالخطاء

يا قوّة الجذب أطلقيني

من ثقلة أوجبت عنائي

لولاكِ لولاك يا شكالي

لطرت كالنور في الفضاء

أنتِ عماد السماء لكن

خفِيت عن عين كل راء

ربطتِ كل النجوم فيها

بعضاً ببعض ربط اعتناء

فدُرنَ في الجوّ جاريات

كأنها السفن فوق ماء

نحن بني الأرض قد علمنا

بأننا من بني السماء

لو كنت في المشتري لكانت

أرضي سماءً بلا امتراء

فليس فوقٌ وليس تحتٌ

ولا اعتلاءٌ لذي اعتلاء

وإنما نحن فوق نجم

نحيا محاطين بالهواء

فليت شعري أيّ ارتقاء

للروح يبقى أي ارتقاء

وأنتِ يا كهرباء سر

بدا وما زال في غشاء

عجائب الكون وهي شتّى

فيك انطوت أيمّا انطواء

أضأت إن شئت كل داج

لنا وأدنيت كل ناء

فأنت للكائنات روح

إن كانت الروح للبقاء

وكم تقاضاك فيلسوف

حقيقة صعبة الأداء

فقال والقول منه ظنّ

ما الكون إلاّ بالكهرباء

وليلةٍ بتها أنادي

نجومها أبعد النداء

آخذ منهن بالتداني

فكراً ويأخذن بالتنائي

فأنثني باكياً بشعري

ويطرب الليل من بكائي

وربما كرّ بعد وهن

فكري فألفى بعض الشفاء

فأرجع القهقرى أغنّى

وما سوى الشعر من غناء

أقول والنَسر فوق رأسي

وطالع النجم في ازائي

يا أيها الأنجم الزواهي

لله ما فيك من بهاء

أما كفاك السنى جمالاً

حتى تجلّلت بالسناء

يا أنجم النعش فاصدقيني

أمات ذو النعش بانطفاء

إني إذا كنتِ في حِداد

إليك أهدي حسن العزاء

وأنت يا نسر من كلال

وقعت أن طلبة الغذاء

أخوك هل طائر لوكر

أم قاصد منتهى الفضاء

كأن أم النجوم سيف

سلّ على الليل ذو مضاء

رصّعُ متناه بالدراري

فراق في الحسن والرواء

كأن نجم السها أديب

في أرض بغداد ذو ثواء

كأن خط الشهاب مُدلٍ

لأسفل البئر بالرشاء

كأنما أنعم الثريا

في شكلها الباهر الضياء

قُفّاز كفّ به فصوص

من حجر الماس ذي الصفاء

برئت للموت من حياة

ما نكبّت مهيع الشقاء

لم يكفها أنها احتياج

حتى غدت حومة البلاء

يا أيها المترف المهنَّا

يمرح في ثوب كبرياء

مهلاً أخا الكبر بعض كبر

ألست تقني بعض الحياء

أنت ابن فقر إلى أمور

بهنّ تدعى يا ابن الثراء


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

أبعد الدهر في الفضاء مكره

المنشور التالي

نحن من أرضنا على منطاد

اقرأ أيضاً