أرى الحق لم يغش البلاد وإنما

التفعيلة : البحر الطويل

أرى الحق لم يَغش البلاد وإنما

مشى ضارباً في الأرض تلِفظه الطرق

فيُصبح في أرض ويُمسي بغيرها

وحيداً فما يؤويه غرب ولا شرق

توطّن قَفر الأرض مُبتعداً بها

إلى حيث لا أنس ولا طائر يَزقو

وقد يهبِط الأمصار وهو مُحجَب

ويظهر أحياناً كما أومض البرق

ومن عجب أن الورى يدعونه

وهم من قديم الدهر أعداؤه الزرق

أعدوا له في البرّ والبحر قوةً

إذا ظهرت ينسدّ من دونها الأفق

وطاروا بطياراتهم يُمطرونه

قذائف من نار كما أمطر الوَدق

يقولون إن الحقّ في الخلق قوة

تذِل لها أعناق قهراً وتندق

فما باله يُمسي ويُصبح شاكياً

ولا يتحاشى عن ظُلامته الخلق

إلى الله نشكو الأمر من مدنيّة

تعارض في أوصافها الكذب والصدق

وكم قد سمعنا ساسة الغرب تدّعي

بأشياء من بُطلانها ضحك الحق

فهم منعوا رِقّ الأسير وإنما

أجازوا لهم أن يشمَل الأمم الرق

ألم ترَ في القطر العراقي أمةً

من الأسر مشدوداً بأعناقها رِبق

قد اختطّ فيه السيف للقوم خطّة

من العُنف لم يُمرر بساحتها رِفق

واوْجرهم سّماً من الذلّ ناقعاً

بكأس من العُدوان ليس لها مَذق

فدجلة من وقع الشوائب أصبحت

تُعاف لأن الماء في حوضها رَنق

وإن الفرات الغَمر أمسى وماؤه

من الضَيم غَور ما لأوشاله عُمق

رعى الله بين الوادَيين مَواطناً

إذا ذُكرت يهتزّ بي نحوها عِشق

قضيت بها عصر الشباب فلي بها

خواطر لم يسمح بإفشائها النطق

فلا تعجبُوا من أنني عند ذكرها

أنوح عليها مثلما ناحت الوُرق

وإني إذا أبصرتها مستضامةً

يكاد لها قلبي من الحزن يَنشقّ

ألم ترها قد أصبحت من إسارها

تُليح بطرف في لواحظه العِتق

تجرّ قيود الذل راسفةً إلى

تكاليف حكم في سياسته المحَق

ويحلب شطرَيها العدوّ ضرائباً

ويمخضها درّاً كما يُمحض الزِق

سلام على وادي السلام الذي به

تفاقم هول الخطب واتسع الخَرق

سَنفديه حتى لا حياة عزيزة

ونبذل حتى لا نفيسٌ ولا عِلق

ونُدرك فيه ثأرنا بكتائب

لها نَسَب من صلب يعرب مشتق

وإن الليالي بالخطوب حوامل

ولا بدّ يوماً أن سيأخذها الطلق

فتُنتج حرباً ما يَبوح سعيرها

وتَستَنّ في ميدانها الدُهم والبُلق

بكلّ أخي عزم كأنّ مَضاءه

مشطّبةٌ بيض ومَسنونة زُرق

تلقّف رايات العلا سواعد

لهنَّ بتصريف القنا في الوغى حِذق

فإما المنايا نستطب بطبّها

وإما مُنىً فيها يتِمّ لنا السَبق

إذا نحن لم نملك على الدهر أمره

فلا دام فينا نابضاً للعلا عِرق


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

متى نرجو لغمتنا انكسافا

المنشور التالي

قال قولا به استحق احتراما

اقرأ أيضاً