وفدفد قاتم الأعماق متسع

التفعيلة : البحر البسيط

وفدفدٍ قاتم الأعماق متسع

طويت أجوازه طيّ المكاتيب

بتَومبيل جرى في الأرض منسرحاً

كما جرى الماء من سفح الأهاضيب

ينساب مثل انسياب الأيم تحمله

عوامل عجلات من دواليب

كأنها وهي بالمطّاط منعلةٌ

تمشي بأخفاف أنواق مطاريب

يمرّ كالريح لم تسمع لأرجله

سوى حفيف كنفخ في الأنابيب

وتنكر الخيل أن جارته في سنن

ما تعرف الخيل من حضرٍ وتقريب

تظلّه قبّة فيه منجّدة

قد زانها حسن تنجيد وتقبيب

يخال من حلّ فيها نفسه ملكاً

يزهى بتاج على الفودين معصوب

ركبته وبياض الصبح تحسبه

صدر المليحة مكشوف التلابيب

والبدر في الأفق الغربيّ ممتقع

يرنو إلى الفجر في ألحاظ مرعوب

وللنجوم بقايا في جوانبه

كالعقد منفرطاً من جيد رعبوب

وللنسيم هبوب في مدارجه

ما ينعش الروح من نشر ومن طيب

فطار من غير تحليق براكبه

بل مرّ يمطر مطراً فوق ملحوب

وسار سيراً دِراكاً ملء مهيعه

كالوبل يتبع شؤبوباً بشؤبوب

فكنت أبصر حولي الأرض جاريةً

كمثل تيّار بحر وهو يجري بي

يلوح فصل الربا وصلاً فأحسبها

من سعرة المرّ قد صفّت بترتيب

ما زال يجتاز بي ما في البسيطة من

سهل ومن جبل عالي الشناخيب

حتى بلغت به أقصى مدىً عجزت

عنه العتاق من الجرد السراحيب

وكم علا بي أنشازاً تسلقها

وشاب في السير تصعيداً بتصويب

لا يعرف الأين منه أين موقعه

ولو يواصل ادلاجاً بتأويب

وكيف يتعب من لا حسّ يتبعه

ولا يسير على ساقٍ وظنبوب

وإنما هو يجري في مسالكه

دفعاً بقّوة غازٍ فيه مشبوب

جرّبته هابطاً أجزاع أودية

وطالعاً في الثنايا والعراقيب

وملهباً في سهول الأرض ينهبها

نهباً ويخلط الهوباً بالهوب

فكان أسبق مركوبٍ لغايته

وكنت أقرب طّلاب لمطلوب

تلك المطيّة لا ما كان يذكرها

أديب ذبيان من عيرانة النيب

لو امتطاها لبيد قبل تاه بها

على الحواضر قدماً والأعاريب

ولم يهم لو رأى ابن العبد منظرها

من وصف عوجائه في كل اسلوب

ولا أطال ابن حجرٍ وصف منجرد

عالي السراة كميت اللون يعبوب


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

لعمرك أن قصر البحر قصر

المنشور التالي

من كان يأرق بالهموم

اقرأ أيضاً