تَجلَّتْ فقلْتُ البدرُ لولا عُقودُها
وماسَتْ فقلتُ الغصْنُ لولا نُهودُها
وظَلّ نساءُ الحّيِ يَحسُدْنَ وجهَها
ولا خيرَ في نُعميَ قليلٍ حَسودها
عَشِيّةَ أبدَتْ عن رياضِ محاسنٍ
فلم يَدْرِ سَرْحُ اللّحظِ كيفَ يَرودها
ومِن دونها زُرْقُ الأسنّةِ شُرَّعٌ
إذا وردَتْها العَينُ ظلّتْ تَذودها
غَدتْ وحديدُ الهِندِ حادي جِمالِها
وقِيدَتْ بأشطانِ الرُّدَيْنّيِ قُودها
وقد سارتِ الأحداجُ من بطْنِ وَجْرةٍ
وأَدنَى ديارِ الحّيِ منها زَرودها
ببِيضٍ وليس البِيضُ إلاّ لِحاظُها
وسُمْرٍ وليس السُّمْرُ إلاّ قُدودها
وما بَرِح الألحاظُ يَجني كَليلُها
علينا وبيضُ الهندِ يَنْبو حَديدها
عَجبتُ لذاتِ الخالِ أنَّى تَقلّدتْ
دماءً وَحَمْلُ العِقْدِ مِمّا يؤودها
تَمُدُّ أمامَ السِربِ للرّكْبِ جيدَها
فللّهِ من وَحشيّةٍ ما نَصيدها
نظرتُ وأقمارُ الخدورِ طَوالعٌ
وقد أَتلعَتْ بِيضَ السّوالفِ غِيدها
فلم أر كالألحاظِ لولا نُبوُّها
ولم أرَ كالأجيادِ لولا صُدودها
ومهما حدا الحادي بسُعْدَى ففي الكَرى
مُعيدٌ على رَغْمِ الفراقِ يُعيدها
عقيلةُ حيٍّ راكِزينَ رِماحَهم
إلى حُلَلٍ تَحْمِي مَهاها أُسودها
مُمنّعةٌ حاطتْ عليها رِماحَها
ولو قَدرتْ خيطتْ عليها جُلودها
إذا ما اجتَلْينا ما أَسرّتْ حِجالُها
تَجلَّى علينا ما أَسرَّتْ غُمودها
وقد زاد أشواقي إليكم حَمائمٌ
وما كنتُ أدرِي أنّ شيئاً يَزيدها
مُطوّقةٌ من زُرْقةِ الفجرِ قُمْصُها
وَمن حُلْكةِ اللّيلِ البهيمِ عُقودها
ولو قد أعارَتْ حين شاقَتْ إليكمُ
جناحاً به تُطْوَى على النّأْيِ بِيدها
تَقلّدت منها مِنّةً يَغْتدِي لها
مدَى الدّهْر في طَوقَيْنِ جيدي وجيدها
ومن عُدَدِي للشّوقِ عَينٌ إذا بكَت
جَرت عَبْرةٌ لا يُستطاعُ جمُودها
فلا مطَرتْ إلاّ لليْلَى عِهادها
ولا سُقيَتْ إلاّ بَدْمعيِ عُهودها
وما كُنتُ وَفّيتُ الصِّبا كُنْهَ حَقِّه
وأيّامَه حتّى تَقضَّي حَميدها
فلمّا انقضَى عَجْلانَ قلتُ لصاحبي
ألا هل له من عَودةٍ نَستعيدها
وبُدِّلتُ من سوداءَ تُهوَى على البِلَى
بِبيضاءَ مشْنوءٌ إلينا جَديدها
وكم ذا تُرى يَبْقَى سَوادِي بحالِه
إذا اختلفَتْ بِيضُ اللّيالي وسُودها
وخُوصٍ طَويْنَ البِيدَ وهْي طلائحٌ
تَرامَى بها أغوارُها ونُجودها
يُباري نجومَ اللّيلِ طَوراً هُبوطُها
معَ الفَلَكِ الأعْلى وطَوراً صُعودها
وجُزْنا جِبالاً مِلْؤُها كُلُّ ماردٍ
على صَعْبةٍ أعيَتْ على مَنْ يَقودها
رُماةُ سهامٍ لا تُمَدُّ قِسيُّها
وفُرسانُ خيلٍ لا تُشَدُّ لُبودها
فتلك جلاميدٌ بهنّ قِتالُها
وتلكَ شَناخِيبٌ عليها قُعودها
ستَرجِعُ والأطوادُ شِيبٌ فُروُعها
ركائبُ سارتْ وهْي جُرْدٌ خُدودها
وما بيَ من طُرْقِ تَشيبُ جِبالُها
ولكنْ لأيّامٍ يَشيبُ وَليدها
رحَلْنا عنِ القومِ اللّئام نجائباً
تُشَدُّ بشَكْواهم وتُلْقَى قُتودها
وعنْديَ لو أَطلقتُ عنها سَوائرٌ
أَوابدُ إلاّ أنّ حِلْمِي قُيودها
ومَن عَبد الأطماعَ ذُلاً فإنّنا
لَمُستَعْبِدوها عِزّةً لا عَبيدها
كفى حَزناً أَنّى تَبرّضْتُ نُطْفةً
من العيشِ لم يُبْلِلْ لساني وُرودها
وحاسِدُها يَرمِي بُمقْلةِ أَحْولٍ
فَيزدادُ في عَينَيْهِ ضِعْفاً عَديدها
نُفوس من الشّنْآنِ أضحَتْ مريضةً
فقد جَعَلتْ أفكارُ سَوءٍ تَعودها
وما غَرَّ منّي القومَ حتّى تَألّبوا
سوى غَيْبتي عن رِحلةٍ هُم شُهودها
فلمّا رأَى الحُسّادُ حُسْنَ وِفادتي
على السُّدّةِ العلياءِ فُتّتْ كُبودها
وقالوا سَديدَ الحضرة اختَرتَ صاحباً
فقلْتُ لهم خيرُ السّهامِ سَديدها
رَميتُ به الأغراضَ حتّى أَصبْتُها
وحتّى دنا منّي الغداةَ بَعيدها
له شِيمةٌ لم يُعْطِها اللّهُ غيَرهُ
من النّاسِ حتّى ظَلّ وهْو وَحيدها
يَزيدُ بإفْراطِ التّواضُعِ رفْعةً
وتلك مَعالٍ في مَعالٍ يَشيدها
ويَعلَمُ عِلْمَ الحّقِ أنْ ليس قبْسَةٌ
من النّارِ يُخشَى الدّهرَ منها خُمودها
ويَحفَظُ أموالَ الممالكِ حِفْظَها
وأُخْرَى يَدٌ يُرضِي الرّعيّةَ جُودها
رأَى مَلِكُ الدنْيا اختصاصَكَ بالّتي
تُذيبُ لها أكبادَ قومٍ حُقودها
وقال رَسولُ اللّهِ يُوسُفُ ولّنِي
خزائنَها تُحفَظْ لديَّ حُدودها
وولاّك سلطانُ الأنامِ ولم تَسَلْ
وهاتِيكَ عُلْيا لا يُطاقُ جُحودها
وأَشْرفُ ما ولّي الملوكُوِلايةٌ
تُريدُ المُولَّي لا المُولَّي يُريدها
فللّهِ مَيْمونُ النّقيبةِ ما انتمَى
إلى دولةٍ إلاّ وأَورقَ عُودها
فأصبح يَحمِي قُبّةَ المُلْكِ نُصْحُه
وآراؤهُ من أنْ يَميلَ عَمودها
له ساحةٌ لم يَنتَثِرْ حَبُّ مُزْنةٍ
كما تَتوالَى كُلَّ يومٍ وُفودها
إشارتُه العلياءُ للنّاسِ قِبلةٌ
إليها هوىً يُضحِي ويُمسِي قُصودها
فطَوراً لأرماحِ الكُماةِ رُكوعُها
وطَوراً لأقلامِ الكُفاةِ سُجودها
نَمتْهُ إلى أعلَى ذُؤابةِ سُؤْددٍ
من العَجَمِ البِيض المناسيبِ سِيدها
ملوكٌ سمَتْ عَلْياؤها وجدودها
كما كَرُمَتْ آباؤها وجُدودها
غدتْ سادةَ الدُّنيا على حينِ عِزّها
وراحَتْ وكُلُّ الخافقَيْنِ مَسودها
وما نِيلَ من أُمنيّةٍ ومَنّيةٍ
سِوى ما أتاهُ وعْدُها ووَعيدها
بكُلِّ يدٍ لولا نَداها وجُودها
على النّاسِ ما سَرَّ الكريمَ وُجودها
أخو كَرمٍ تَتلو المقالَ فعالُه
سريعاً كما يتلو بُروقاً رُعودها
وأَعطافُهُ تَهتَزُّ حقَّ اهتزازِها
إذا راحَ مَخْلوعاً علينا بُرودها
كأنّ علينا رَوضةً من ثنائهِ
إذا ظلَّ يُمناهُ سماءً تَجودها
هو الشّمسُ والعافون أَقمارُ أفْقهِ
تُجِدُّ وتُبْلِي النُّورَ ممّا يُفيدها
بأزمانِ نُوشَرْوانَ فاخرَ أَحمدٌ
نَبِيُّ الهُدى لمّا تلاقَتْ سُعودها
وأَيّامُ نُوشَرْوانَ في حَقِّ أَحمدٍ
كتلكَ سواءٌ شِيبُها وجَديدها
فَخُذها قوافٍ ما تزالُ لحُسْنِها
تَسيرُ بآفاقِ البلادِ شَرودها
يَلَذُ لأسماعِ الكرامِ قَريضُها
ويَحْلو بأفواهِ الرُّواةِ نَشيدها
أَتَتْكَ بها نَفْسٌ إليكَ مَشوقةٌ
لها حُرْمتاها قَصْدُها وقصيدها
ولا زلْتَ في دُنيا يُقيمُ نَعيمُها
ولا زلتَ في نُعْمَي يَدومُ مزيدها
وتَحْوِي بها الذِكْرَ الجميلَ ابنَ خالدٍ
فما الذكْرُ للأحرارِ إلا خُلودها