أما الغزال الذي أهوى فقد هجرا

التفعيلة : البحر البسيط

أمّا الغزالُ الذي أَهوَى فقد هَجَرا

أنْ عادَ رَوضُ شبابي مُبدِياً زَهَرا

فهل سَمعْتُمْ بظَبْيٍ في مَراتعِه

إذا رأَى زَهَراً في رَوضةٍ نَفَرا

قد كنتُ سارِقَ عيشٍ غيرَ مُفتَكِرٍ

من تحت ليلِ شبابٍ كان مُعتَكِرا

فالآن أقمَرَ ذاك اللّيلُ من كِبَرٍ

فَعُدْتُ عن سَرَقِ اللّذّاتِ مُنزَجِرا

عُلُوُّ سِنٍّ ضحا رأسي له عَجلاً

والظِلُّ مهما تعالَتْ شمسٌ انحَسَرا

نَضا رِداء سوادٍ كنتُ لابِسَه

فانظُرْ بأيِّ شعارٍ فُجِّعَ الشُّعَرا

وشِبْتُ فاحتجبتْ عنّي الحسانُ قِلىً

وكان منهنّ طَرْفي يَجْتلي صُوَرا

إذا بياضٌ أفاتَ المرءَ رُؤيةَ مَنْ

يَهوَى فسِيّانِ شَعْراً حَلَّ أو بَصَرا

عَصْرٌ أُجِدُّ بتَذْكاري له طَرَباً

حتّى أُقطِّعُ أيامي به ذِكَرا

يا قاتَلَ اللهُ بدراً لستُ أَذكرُه

إلاّ تَرقرقَ دَمعُ العَينِ فابتَدَرا

إلْفٌ أقولُ قياساً عند رُؤيتِه

إذا بدا وإذا ما زار طيفُ كَرى

مُقنَّعٌ في جُفوني كلّما رقَدَتْ

أم يُوشَعٌ في يدَيْهِ كلّما سَفَرا

بَدْرٌ سِدادُ طريقِ الدَمعِ مَطلِعُه

في ناظري فمتى ما غابَ عنه جَرى

لِثامُه مثْلُ غَيْمٍ حَشْوه بَرَدٌ

يَشِفُّ من بُعُدٍ عنه وما حُدِرا

كأنّما سَكِرَ العَينانِ منه بما

تقولُ في فيهِ من أصداغِه عُصِرا

تَمَّتْ محاسِنُه إلاّ قَساوتَه

على الأنام وإلاّ قَتْلَهمْ هَدَرا

كأنّه صنَمٌ أهدَى الحياةَ له

رَبُّ العبادِ وأبقَى قلبَه حَجَرا

لَيلي وعَينيَ لا أدري لفُرقتِه

أجُنحُه طالَ لي أم جَفنُها قَصُرا

كأن جَفْنيَّ طُولَ اللّيلِ من أرَقٍ

على حَجاجَيَّ بالأهدابِ قد سُمِرا

أو الإمام غداة العَرْضِ حين غَزا

تقاسَمتْ صُبْحَ ليلي خَيلُه غُرَرا

لمّا تَجلّتْ من الزّوراء طالعةً

تحت الفوارسِ مَرْحَى تَنْقُضُ العُذَرا

سودٌ بُنوداً وبيضٌ أوجهاً طلَبتْ

عِداً لِتَخْضِبَ حُمْراً منهُمُ السُّمُرا

تَحُفُّ أرْوعَ مَيْموناً نقيبتُه

مهما أشار بها لم يَعْدُه أشِرا

مَلْكٌ يقودُ جنوداً من ملائكةٍ

في طاعةِ اللهِ لا يَعصُونَ ما أَمَرا

وآخَرِينَ طِلاعَ الأرض من بُهَمٍ

تَهُزُ أيمانُها الهِنديّةَ البُتُرا

قومٌ إذا غَرسُوا بين الضلوعِ قناً

عادتْ حَوامِلَ من هامِ العِدا ثَمَرا

لم يَبقَ في الأرضِ لا ظُلْمٌ ولا ظُلَمٌ

إلاّ طُوِي بِيَدِ العدلِ الّذي نُشِرا

وقام مسترشِداً باللهِ أَرشَدَه

فما يطيشُ له سَهمٌ إذا افتكَرا

فإن دعا كان جُودُ الغَيثِ مُتَّصلاً

وإن سَخا كان غَيْثُ الجُودِ مُنَهمِرا

لا يَعجَبِ القومُ إنْ أَبدَى تَجَرُّدَهُ

فإنمّا هو سيفُ اللهِ قد شُهِرا

هم أغضبوا اللّهَ فاجتاحَ العُداةَ به

لا غَرو حين وتَرْتَ اللّهَ إن ثَأرا

لمّا أطالَ الطُّلَى قومٌ إلى فِتَنٍ

لم يُمْهِل السّيفُ حتّى قَصَّر القَصَرا

ضَرْباً إلى الأرضِ للتقبيلِ راغمةً

تَلقَى الثُغورَ وطَعْناً يَنِظمُ الثغَرا

ورَشْقةً تَخطِفُ الأرواحَ صائبةً

مِمّا تُطايرُهُ نارُ الوغَى شَرَرا

للمارِقينَ من الدّينِ الّذين طغَوْا

بالمارقاتِ من النَبْعِ الّذي انْأطَرا

تَجنَّحوا بسهامٍ في جُنوبِهمُ

لولا وَشيكُ الرّدى طَاروا بِها حَذَرا

لم يأكلِ النّسْرُ قَتْلاهم مُشاكلَةً

لمّا علا شِلْوَهم مَن ريشُهُ اشتَكَرا

قد أضحتِ الأرضُ تُحِكي تحتهم وضَماً

مِمّا قتلْتَ فلمَ تَعدَمْ بهمْ وضَرا

فلو غَسلْتَ الثَرى من وَطء أرجُلِهم

بغيرِ ماءِ الطُّلى منهمْ لمَا طَهُرا

فحاطَكَ اللهُ مَلْكاً ثار مُمتَعِضاً

للدِينِ حتّى جَلا عن وَجْهِهَ القَتَرا

لو لم تُكَسَّرْ رماحُ الخَطِّ شاجرةً

إذَنْ لكانَ لكَسْرِ الدّينِ ما جَبَرا

نُصْحاً لكم يا ملوكَ الأرضِ فانتَصِحوا

كفَى برائعِ ما بُلّغتُمُ خَبَرا

هو ابْنُ مَن بعجَ اللهُ الغمامَ له

حتّى تَرهْيا فأحيا البَدْوَ والحَضَرا

فحاذِروا مَن إذا ما شاء مُنتقماً

عَدَّ الحديدَ غماماً والدَّمَ المَطَرا

فيئوا إلى كُتْبِه واخشَوْا كتائبَهُ

قد أصحَر اليومَ ليثٌ طالما خَدَرا

نافٍ غِرارَيْهِ من جَفْنَيهِ ذو حَدَبٍ

يُواصِلُ الضَرْبَ دون الدِّينِ والسّهَرا

فِداؤكم آلَ عبّاسٍ وإنْ صَغَروا

من العدا مَن أسرَّ الخُلْفَ أو جَهَرا

حُكْمٌ منَ الله في الدُّنيا لدولتِكم

ألاّ يُغادِرَ حَيّاً مَن بها غَدَرا

ما استوطأ الظّهرَ مِن عَصيانِكم أحدٌ

إلاّ وقالتْ له الأيّامُ سوف تَرى

ما جَرَّد السَّيفَ باغٍ حَرْبَكم فرأى

لذلكِ السيفِ إلاّ نفسَه جَزرا

لقد رأى اللّهُ ما أَبَدى خليفتُه

وما أعادَ مِنَ العدْلِ الذي اشتَهرا

خلافةٌ رشّحتْهُ السّابقونَ لها

وِراثةً قد نَفَوا عن صَفْوِها الكَدَرا

ودَرَّجتْه إليها أوّلونَ دَعَوا

للمؤمنينَ فذادوا عنهمُ أُمَرا

سَفّاحُهم بَعْدَهُ المنصورُ يَتْبَعُه ال

مَهديُّ واقتفَر الهادي له الأَثرا

ثُمّ الرّشيدُ وأبناءٌ له نُجُبٌ

ثلاثةٌ للهُدَى أَعزِزْ بهِم نَفَرا

أمينُ مُلْكٍ ومأمونٌ ومُعتَصِمٌ

وواثقٌ وكفَى فَخْراً لِمَنْ فَخَرا

ومَن تَوَّكل فيما قد تَقلَّدَه

ومَن دَعَوه لدينِ اللّه مُنْتَصِرا

والمُستعينُ له المُعتَزُّ مُرتَدفٌ

والمُهتدي بالإلهِ المُرتَضَى سِيَرا

وقام مُعتَمِدٌ يَتلوهُ مُعتَضِدٌ

ومُكْتَفٍ مُعْقِبٌ للمُلْكِ مُقْتَدِرا

والقاهرُ العَدْلُ والرّاضي ومُتّقِياً

فاذْكرْ ومُستَكْفياً من بَعْدِ مَنْ ذُكِرا

ثُمّ المُطيعُ يَليهِ الطّائعُ اختُتِمَتْ

عُلْياهُ بالقادرِ الكافي إذِ اقتدرا

وقائمٌ قد تَلاهُ مُقْتَدٍ سَبَقا

أيّامَ مُستَظْهِرٍ باللّهِ قد ظَهَرا

خلائفٌ نُظِموا في سِلْكِ دَهْرِهمُ

ونورُ وَجْهِك منهم في المنونِ سَرى

فما عدا وهْو سِرُّ اللّهِ أَضمَرَه

بيومِ إظْهارِه أن بَشَّرَ البَشَرا

وَثمَّ عِدّةُ أملاكٍ ذَوي شَرَفٍ

تَقَدَّموه وكانوا أنجُماً زُهُرا

عِشرونَ يَتْبَعُها منهم ثمانيةٌ

كانوا المنازلَ والمسترشدُ القَمَرا

إنِ استَسَرَّ وراءَ الحُجْبِ آوِنةً

فقد شفَى العينَ إهْلالٌ له بَدَرا

فارقَبْ نَماءَ منَ الإقبالِ مُتَّصِلاً

ودوْلةً سوف تُفْني دَهْرَها عُمُرا

يا بحرَ علمٍ نَماهُ الحَبْرُ والدُه

مَجْداً ويا بَدْرَ تِمّ يَمطُرُ الدُّررا

أنعِمْ عليَّ بخَطٍّ ما حَظِيتُ به

وكم مَددْتُ إليه العينَ مُنتَظِرا

شمسُ الهدى طلعَتْ للخَلْقِ مُشرِقةً

وما رُزِقْتُ إلى أنوارِها نَظَرا

والبيتُ من دونِه الأستارُ قد رُفِعَتْ

ولم أكنْ أنا فيمنْ حَجَّ واعتَمرا

فما أرى أنّني أهدَيْتُ مُمتدِحاً

شِعْرِي ولكنّني أهدَيْتُ مُعتَذِرا

وقَلَّ سُؤْراً لكم منّا قصائدُنا

حِياضُ مَدْحِكُمُ قَدْ أُترِعَتْ سُؤَرا

كلٌّ من البحرِ مُمتارٌ لدرّتِه

ولي إلى البحرِ راوٍ يَحمِلُ الدُّررا

وواعدي بالغنى فَقْرِي إليك وقد

نالَ الغنى مَن إلى إنعامِك افتقَرا

خليفةَ اللهِ جَلَّلْتَ الورى نِعَماً

ألا فلا لَقِيَتْ أيّامُك الغِيَرا

هَبْ للثَّرى نظْرةً تَرمي بها لتَرَى

هامَ الرُّبا برِداء النَّورِ مُعتَجِرا

قد زَيَّنَ الأرضَ شُكراً أنْ بَقيتَ لها

والوعْدُ أنْ سيزيد اللهُ مَن شَكَرا

لمّا تباشَر إصباحاً شقائقُها

بأنْ نُصِرتَ وكانتْ قُمْصُها حُمُرا

رَدَّتْ على الأرؤسِ الأذيالَ من طَرَبٍ

لخَلْعِهنّ على مَن بَلّغَ الخَبَرا

لقد بَلغْتَ أميرَ المؤمنين مَدىً

عنه السُّها قاصِرٌ لو كُنتَ مُقتصِرا

مَن فَرّ منك يَجوبُ الأرضَ مُنهزماً

يَزدادُ وِزْراً ولكنْ لا يَرى وَزَرا

في الشّرقِ والغَربِ لا يُفْضي إلى سَعَةٍ

ذو الذَّنْبِ إلاّ إذا ما كنتَ مُغتَفِرا

ألا فَنَوْرِزْ مُطاعَ الأمرِ مُبتهِجاً

مُقسِّماً في الأنامِ النّفْعَ والضّرَرا

ودُمْ لنا ووَلِيِّ العَهْدِ مُحتفِظاً

منه بأنفَسِ ذُخْرٍ للورَى ذُخِرا

في دولةٍ من صُروفِ الدَّهْرِ آمنةٍ

وعيشةٍ لا تَرَى عن وِرْدِها صَدَرا


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

لولا طروق خيال منك منتظر

المنشور التالي

أذاكرة يوم الوداع نوار

اقرأ أيضاً