بما عن من شكوى زمان تعرضا

التفعيلة : البحر الطويل

بما عَنَّ من شَكْوَى زمانٍ تَعرَّضا

تناسَيْتُ لذّاتِ الزّمان الّذي مضى

فلا تُذْكِراني عَهْدَ نجدٍ وأهلَه

إذا الرّيحُ هَبّتْ أو إذا البرقُ أَوْمضا

فما في ضَميري اليومَ من طارقِ الأسَى

مَكانٌ لتَذْكارِ السُّرورِ الّذي انقَضى

ولو خَلصتْ لي من فؤاديَ شُعبةٌ

من الهمِّ لَم أَذكُرْ سوى ساكني الغَضا

وواللهِ لا أَنسىَ مدَى الدّهرِ عهدَهمْ

على حالتَيْ سُخطٍ من الأمرِ أو رِضا

أولئك هم روحي فلولا بقاؤهم

معَ البُعدِ في قلبِ المُحبّ لهمْ قضَى

رعَى اللهُ قوماً ودَّعوا من أحبّةٍ

قضَى الدّهرُ فيهم بالتَفرُّقِ ما قضَى

إذا قام في عَيني خيالُ عُهودِهم

تَضايقَ بي رَحْلي على سَعَةِ الفَضا

فكيف بصبرٍ يا أُميمَ أُعيرُهُ

فؤاداً لنَهْبِ الشّوقِ فيهمْ مُعرّضا

ولا عِوضٌ لي عنهمُ إن طَلبتُه

ولو كان أيضاً ما استَخْرتُ التعوُّضا

لقد سَرَّ هذا العيدُ كُلاًّ بلَهْوهِ

وقد زادَ قلبي لَوعةً حين أَعْرضَا

دُنُوُّ أعادٍ وانتزاحُ أحِبّةٍ

لقد أَمرضَ الهمّانِ قلبي وأَرمَضا

فكِلْني إلى ما بي وخُذْ أنت قَهوةً

حكَتْ لهَباً من ساطعِ النُّورِ مُحتَضا

عُقارٌ إذا مَسّتْ يمينُك كأسَها

حَملْتَ بها سَيفاً على الهمِّ مُنتَضى

يَعودُ إلى خَدِّ الندّيمِ خِضابُها

إذا هو من كَفِّ المُديرِ لها نَضا

إذا أنت ذَهّبتَ الزُّجاجَ بِلَوْنها

تَرْكتُ بجاري الدّمعِ خَدّي مُفضَّضا

وكيف إذا ما أطلَق الشّوقُ عَبْرتي

أُطيقُ لبحرٍ مائجٍ أن أُغّيِضا

وآمُلُ أن يَسْري الكرى بخيالِهم

وما كان جَفني بعدَهم لِيُغَمّضا

هُمُ أَعرضوا عنّي وولّوا بِوَصْلِهمْ

فولّى لذيذُ العيشِ عنّي وأَعرضا

فأُقسِمُ لولا نورُ وجهِك لم أكنْ

أرَى بعدَهم يوماً من الدّهرِ أَبيضا

ولكنْ جَلا فخْرُ الرّئاسةِ ناظِري

بغُرّةِ وجْهٍ كُلُّ أُفْقٍ بهِ أَضا

تَهدَّى فجَلَّى كُلَّ ما كان مُظلِماً

وجادَ فأغنَى كُلَّ مَن كان مُنْفِضا

جَوادٌ يُنيلُ الجَزْلَ من سَيْبِ كَفّهِ

إذا ما لَئيمُ القومِ أَعطَى فَبرَّضا

بليغٌ يكاد الطّرِسُ يُصبِحُ مَتْنُه

بفَيْضِ النّدى من راحتَيْهِ مُروَّضا

عَجِبتُ لكفٍّ منه تُبسَطُ دائماً

ويَملِكُ منها للأعنّةِ مَقْبِضا

فتىً لو أُطيقُ الاقتداءَ بفِعْلهِ

لكان حقيقاً أنْ يُسَنَّ ويُفْرَضا

قَرينانِ ما زالا له الكفَّ والنّدى

وإلفانِ ما انفكّا له الرأيَ والمَضا

سِمامُ الأعادي في فَمِ القلم الّذي

يَمُرُّ له فوقَ الكتابِ مُنَضْنِضا

إذا وعَد الّراجينَ في كَلماتِه

حكَتْ لك رَوضاً في جوانبِه إضا

وإن أَوعدَ الجانِينَ جاء وَعيدُه

كأنّ أُسوداً في نواحيهِ رُبَّضا

وإن حَدَّثَ الأقوامُ عن سَلَفٍ له

فأحْرِ بفَخْرٍ أن يَطولَ ويَعرُضا

به ثَبَت البيتُ الرّفيعُ عِمادُه

على حينَ بيتُ الأعجزِينَ تَقّوضا

كفى رؤساءَ العَصرِ أنّك فَخرُهمْ

إذا رفَع الوُرْقُ الرِّجالَ وخَفَّضا

تَرى الحَسَنَ المأمولَ في آلِ قاسمٍ

كبَدْرِ الدُّجَى بين النُّجومِ تَعرَّضا

هُمُ رؤساءُ النّاس وهْو رئيسُهمْ

عَلاءً لكَبْتِ الحاسدين مُقيَّضا

أَسا جُرْحَ هذا المُلكِ لمّا رأى له

أديماً بأنيابِ الزّمانِ مُعَضَّضا

وزاحمَ عنه مَنكِبَ الدَّهرِ نَجدةً

فَزيَّل أقدامَ الخُطوبِ وأدْحَضا

فدُمْتَ منيعَ العِزِّ في دِرْعِ عِصْمةٍ

إذا الدَّهرُ عن قَوسِ النّوائبِ أنْبَضا

فما أنا بالّناسي صَنائعَكَ الّتي

رَددْتُ بها ظَهْرَ المُعاندِ مُنقَضا

تَمنّيتُ لو كان الزّمانُ يُعيرُني

جَناحاً إلى نَيلِ المعالي لأنْهَضا

وأقطَعَ عُمْري في ذُراكَ بغِبْطةٍ

وأهجُرَ أذراءَ الّلئامِ وأرفُضا

وأُصبِحَ في يُمنَى يدَيك على العِدا

حُساماً إذا ما أنت أَمضَيتَه مضَى

ولكنْ إذا أَبرمت أَمراً أُريدُه

أَبى الدّهرُ إلاّ أن يَجورَ فيَنْقُضا

على أنّني أُهدي على القُرْبِ والنّوى

ثناءً على ما قد منَنْتَ كما اقْتَضى

وأُفصحُ قَولاً بالّذي أنت أهلُه

ولو لم يكُنْ ما كان أيضاً لِيَغْمُضا

وأُنشِدُ تَقْريظي لدَيكَ مُصرَّحاً

وأَذكرُ نَثْقيلي عليك مُعرِّضا

وأحْسنُ ما يُلفَى ليَ الأمرُ مرَّةً

إذا ما غدا منّى إليك مُفَوَّضا

وليس زَماني ما بَقِيتُ وإن جَفا

بذَمّي له أَهلاً لأنْ أتعَرَّضا

فهل أنت للأيّامِ اعنّيَ زاجرٌ

فلستُ أَرى في القومِ إلاّ مُحرّضا

أَبِنْ لي مكاناً من قَبولِك في الورَى

وأكرِمْ وَليّاً في الهوَى لكَ مُمْحِضا

فلا زال صرفُ الدَّهرِ حين تَقودُه

ذَلولاً وللقومِ المُعادينَ رَيِّضا

ليسعَى كما تَرضَى إذا سعَتِ الدنا

ويَجري بما تَهوَى إذا ما جَرى القَضا

قُروضٌ من الدَّهرِ الهِباتُ لأهلِه

فلا ارتَجَعَ النُّعمَى التي لك أَقرَضا

ودُونَك من مَيدانِ فكْريَ سابِقاً

إذا ما جيادُ الشِّعْرِ جارَيْنَه نَضا

أتاكَ على أنْ ليس رُتْبةُ جِنْسِه

إلى حَدِّ أن يُجلَى عليك ويُعْرَضا

فهل أنتَ أعلَى اللّهُ قَدْرَك

عاطِفٌ عليه فيُكْسَى من قَبولِك معْرضا

فقد كنتَ قِدْماً تَرتَضِي ما أقولُه

وما تَرتَضيهِ أنت لا شَكّ مُرتَضى

وكم من لسانٍ يَقْرِضُ الشِّعرَ حَقُّهُ

من الشِّعْرِ أن يُقتَصَّ منه فيُقْرَضا

فدُمْ في بقاءٍ لا تَزالُ خُيولُه

تُصيبُ لها في حَلْبةِ الدَّهرِ مَرْكضا

وعشْ سالماً ما غَيّر الأُفْقُ لُبْسَه

فَسوَّدَ طَوراً للعيونِ وبَيّضا


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

جعلت فداك الدهر أغرز نابه

المنشور التالي

سرى ولثام الصبح قد كاد ينحط

اقرأ أيضاً