حَمى النَومَ أَجفانَ صَبٍّ وَصِب
غُرابٌ عَلى غُصُنٍ مِن غَرَب
وَأَغرى الفُؤادَ بِأَشواقِهِ
وَقَد كانَ أُعتِبَ لَمّا عَتَب
فَلَو كانَ يَدري غُرابُ النَوى
بِما جَرَّ تَنعابُهُ ما نَعَب
لَذَكَّرَنا يَومَ زَمّوا الجِمالَ
وَأَبدى لَنا البَينُ سِرَّ الحُجُب
فَخِلنا شُموسَ وَجاراتِها
شُموساً سَحايِبُهُنَّ النُقُب
عَقَدنَ لِواءً غَداةَ اللِوى
عَلى سِربِ عينٍ يَصِدنَ السُرَب
نَوافِرُ تَألَفُهُنَّ القُلوبُ
فَيَترُكنَها نُصبَ عينِ النَصَب
خَليلَيَّ عُوجا نُحَيِّ الدِيارَ
وَنَندُبُ أَوقاتَنا بِاللَبَب
وَنَسأَلُ عَمَّن طَواهُ الرَسيمُ
رُسومَ الدِيارِ وَإِن لَم تُجِب
وَلَم أَنسَ قَولَ اِبنَةِ المالِكِيِّ
لِسَلمى وَأَدمُعُها تَنسَكِب
أَيا أُختِ ما بالُ ذا الأَعصُرِيِّ
سَلا حينَ بَلَّغتِهِ ما طَلَب
عَهِدناهُ يَرغَبُ في الزَاهِدينَ
مَتى صارَ يَزهَدُ فيمَن رَغِب
تَجَنَّبَني وَهوَ يَشكو الهَوى
عَذيري مِنَ العاشِقِ المُجتَنِب
وَكَم لَيلَةٍ نامَ عَنّي الرَقيبُ
وَنَبَّهَني القَمَرُ المُرتَقَب
جَمَعتُ بِها بَينَ ماءِ السَحابِ
وَماءِ الرُضابِ وَماءِ العِنَب
وَقَد جَلَّلَ الأَرضَ غَيمُ القِطارِ
وَجادَ الثَرى عارِضٌ مُنسَكِب
كَجودِ المُظَفَّرِ سَيفِ الإِمامِ
وَعُدَّتِهِ المُصطَفى المُنتَجَب
مَقَرُّ المَعالي وَعِزُّ الهُدى
وَكَنزُ الأَماني وَتاجُ الحَسَب
هُمامٌ غَدا عِرضُهُ في حِمىً
وَلَكِنَّ أَعراضَهُ تُنتَهَب
فَمَن جامِلٍ مَرَّ صَوبَ الجَميلِ
وَمِن ذَهَبٍ في العَطايا ذَهَب
يُبيحُ التِلادَ فَعالَ اِمرِئٍ
يَرى الحَمدَ أَنفَسَ ما يُكتَسَب
وَيَأبى الغِناءَ وَلَكِنَّهُ
لِوَقعِ السُيوفِ كَثيرُ الطَرَب
إِذا ما بَغى حَربَ أَعدائِهِ
فَأَيقِن لَهُم عاجِلاً بِالحَرَب
وَقُل لِمُيَمِّمِ مَعروفِهِ
تَناوَلتَ ما تَبتَغي مِن كَثَب
بِشَيمِكَ رَبَّ نَدىً لَم يُشَب
بِمَنٍّ وَتِربَ عُلىً لَم تَشِب
سَيَكفيكَ بِالبِشرِ ذُلَّ السُؤالِ
وَيَسأَلُكَ الجَلبَ فيمَ جَلَب
مَعالٍ يُحَسِّنُ نَظمَ القَريضِ
ثَناها وَيَرفَعُ نَثرَ الخُطَب
وَبَأسٌ كَبا عامِرٌ دونَهُ
وَقَصَّرَ عَنهُ اِبنُ مَعدي كَرِب
أَرى دَولَةَ الحَقِّ أَضحَت رَحىً
تَدورُ بِسَعدٍ وَأَنتَ القُطُب
وَما قَارَنَ العِزَّ مَلكٌ ثَنى
قَرونَتَهُ عَن طَريقِ العَطَب
لَقَد سَلَّ مِنكَ إِمامُ الهُدى
حُساماً يَقُدُّ إِذا ما ضَرَب
قَصَمتَ العِدى بَعدَما اِستَحوَذوا
عَلى الشامِ وَاِستَملَكوهُ حِقَب
أَزَرتَ شَعوبَ شُعوباً طَغَت
وَفَرَّقتَ شَملَهُمُ المُنشَعِب
وَلَمّا بَغوا غالَهُم بَغيُهُم
وَمَن غالَبَ الحَقَّ جَهلاً غُلِب
فَظَنّوا قَليبَ الرَدى مَنهَلاً
قَراحاً وَجِدَّ المَنايا لَعِب
فَحينَ أَتوكَ يَجُرّونَها
كَتائِبَ مِثلَ سُطورِ الكُتُب
بَرَزتَ لَها فَمَضَت كَالنَعامِ
ثَناها الغَضَنفَرُ لَمّا وَثَب
وَقَد كاَنَ نَجمُهُمُ طَالِعاً
فَلَمّا طَلَعتَ عَلَيهِم غَرَب
قَتَلتَ حُماةَ الوَغى مِنهُمُ
وَعَفَّت سُيوفُكَ عَمَّن هَرَب
تَرَكتَهُمُ يَحمَدونَ الفِرارَ
وَلَو طُلِبوا لَم يَفُتكَ الطَلَب
وَلا مَهرَبٌ مِنكَ إِلّا إِلَيكَ
وَأَنّى مِنَ المَوتِ يُنجي الهَرَب
وَلَو شِئتَ ما مُدَّ لِلمارِقينَ
وَأَشياعِهِم دونَ قافٍ طُنُب
وَلَو رُمتَهُم لَم يَعِزّوا عَلَيكَ
وَلَو أَنَّهُم في مُتونِ السُحُب
وَقَد سَكَنَت ريحُهُم مِن سُطاكَ
وَإِن لَم تَهَب جُرمَهُم لَم تَهُبّ
فَصَمتَ عُرى الإِفكِ في وَقعَةٍ
أَزالَت عَنِ المُستَريبِ الرِيَب
وَرَوَّت ظُبى الهِندِ بَعدَ الظَما
وَأَشبَعَتِ الوَحشَ بَعدَ السَغَب
وَقَد بَيَّضَ النَقعُ حُمرَ الجِيادِ
وَقَد حَمَّرَ الطَعنُ بيضَ العَذَب
جَعَلتَ هُناكَ لِبيضِ السُيوفِ
إِلى بَذلِ كُلِّ مَنيعٍ سَبَب
فَكَم هامَةٍ لَم يَصُنها التَريكُ
وَكَم جَسَدٍ ما حَماهُ اليَلَب
عَزائِمُ تُظلِمُ صُبحَ العِدى
عَلى أَنَّها في الدَياجي شُهُب
تَظَلُّ قَذىً في عُيونِ الخُطوبِ
وَتُمسي شَجاً في حُلوقِ النُوَب
قَواطُعُ تورِدُ أُسدَ العَرينِ
رَداها وَتَثني الخَميسَ اللَجِب
لَها مَنفَذٌ حَيثُ تُثنى الرِماحُ
وَمُنخَرَقٌ حَيثُ تَنبو القُضُب
لَقَد خُنتَ في صَرفِ صَرفِ الخُطوبِ
قِيامَ المَلِيِّ بِكَشفِ الكُرَب
فَلولاكَ ما صارَتِ الحَادِثاتُ
حَديثاً وَفُلَّت نُيوبُ النُوَب
فَلِلَّهِ ذَبُّكَ عَن دِينِهِ
مُشيحاً وَسَعيُكَ فيما أَحَبّ
ذَراكَ أَميرَ الجُيوشِ اِنتَحَت
مُنىً إِن تَرِم عَنهُ يَوماً تَخِب
وَغُرُّ قَوافٍ قَوافٍ لُهاكَ
إِلَيكَ وَقائِلُها تَنتَسِب
أَجَبتَ نِدائي بِبَذلِ النَدى
فَأَصبَحَ لي نَسَبٌ في النَسَب
وَقَرَّبتَ مِن مَطلَبي ما نَأى
وَأَنأَيتَ مِن عَدَمي ما قَرُب
وَجادَ نَوالُكَ تُربَ الثَنا
وَحَيثُ الغَمامُ يَكونُ العُشُب
أَلا أَيُها المَلِكُ المُبتَني
مَحَلاً مِنَ المَجدِ فَوقَ السُحُب
لِيَهنِكَ عيدٌ إِذا ما حَضَرتَ
زَماناً سِوى وَقتِهِ لَم يَغِب
جَعَلتَ لَهُ رُتبَةً في الفَخارِ
تَطولُ الفَخارَ وَتَعلو الرُتَب
وَأَلبَستَهُ حُلَلاً أَصبَحَت
عَلى السُحبِ أَذيالُها تَنسَحِب
أَقَرَّ جَداكَ عُيونَ المُنى
وَأَحيا اِرتِياحُكَ مَيتَ الأَدَب
فَلا أَيتَمَ اللَهُ مِنكَ العُلى
فَأَنتَ لَها اليَومَ أُمٌّ وَأَب