باعوا المخلد بالحطام الفاني

التفعيلة : البحر الكامل

بَاعُوا المخلد بِالحُطَامِ الْفَانِي

وَشَرَيْتَ بِالأَغْلَى مِنَ الأَثْمَانِ

تِلْكَ الْحَيَاةُ أَمَانَةٌ أَدَّيْتَهَا

بِتَمَامِهَا للهِ وَالأَوْطَانِ

بِالصَّبْرِ وَالأِيمَنِ أُخْلِصَ بَدْوُّهَا

وَخِتَامُهَا بِالصَّبْرِ والإيمانِ

أَعْرَضْتَ عَنْ لَذَّاتِها مُنْذُ الصِبا

وَالرَّوْضُ تُفْري والقُطُوفُ دَوَانِي

مُتَوَخِّيَاً منْ دُونِها أُمْنِيَّةٌ

لَمْ يُوهِ وَحْدَتَهَا شَتِيتُ أَمَانِي

تَهْوَى الْبِلاَدَ وَلاَ هَوى لَكَ غَيْرُهَا

أَوْ تُفْتَدَى مِنْ ذِلَّةٍ وَهَوَانِ

ظَلِّتْ تُنَازِعُكَ الصُّرُوفُ بِمَا بِهَا

مِنْ مُنَّةٍ وَظَلِلْتَ ثَبْتَ جَنَانِ

مُسْتَنْزِفاً دَمَكَ الزَّكِيَّ وَلَمْ يُرَقْ

بِشَبَاةِ قِرْضَابٍ وَلاَ بِسِنَانِ

فِي صَوْلَةٍ لِلدَّهْرِ تَعْقُبُ صَوْلَةً

مُنْتَابَةً فِي الآنِ بعْدَ الآنِ

حَتَّى قَضَيْتَ شَهِيدَ رَأيِكَ وَانْقَضَى

مَاكُنْتَ تَلْقَى دُونَهُ وَتُعَانِي

وَيحَ الأَبِيِّ تَسُوءهُ أَيَّامُهُ

وَتَسُرُّ كُلَّ مُمَاذِقٍ مِذْعَانِ

مِمَّنْ يُقَدَّمُ فِي الرِّجَالِ وَمَا بِهِ

إِلاَّ الطِّلاَءُ بِكَاذِبِ الأَلوَانِ

مَاذَا دَهَى الْقفسْطَاطَ حينَ تَجَاوَبَتْ

أصْدَاؤُهَا لِنَوَاكَ بِالإرْنَانِ

وَجَلاَ عَنِ الْقَدَرِ المُخَبَّأِ لَيْلَهَا

وَبَدَا الصَّبَاحُ مُقَرَّحَ الأَجْفَانِ

خَطْبٌ أَرَانَا فِي مَجَالاَتِ الفِدَى

وَالصِّدْقِ كَيْفَ مَصَارِعُ الشُّجْعَانِ

غَشِيَتْ ثَبِيراً مِنْ أَسَاهُ غَمَامَةٌ

جَرَّتْ كَلاَكِلَهَا عَلَى لُبْنَانِ

فَالشَّرْقُ في شَرَقٍ مِنَ الدَّمْعِ الذَِّي

أجْرَى الْعُيُونَ وَفَاضَ بِالْغُدْرَانِ

أيْ مُصطَفَى يَبْكِيكَ قَوْمُكَ كُلَّمَا

عَادَتْهُمُو ذِكْرَى فَتَى الفِتْيَانِ

يوْمَ الْوَفَاءُ دَعَا فَكُنْتَ لِوَاءَهُ

وَطَلِعَةِ لطليعة الفُرْسَانِ

هَذَا شَهِيدٌ مِنْ وُلاَتِكَ خَامِسٌ

يَهْوِي بِحَيْثُ هَوَيْتَ فِي المَيْدَانِ

لَكَأَنَّهُمْ وَالمَوْتُ أَسْوَأُ مَغْنَمٍ

يَتَراكَضُونَ إلَيْهِ خَيْلَ رِهَانِ

بَذَلُوا النُّفُوسَ كَمَا بَذَلْتَ وَأَرْخَصُوا

مَا عَزَّ مِنْ جَاهٍ وَمِنْ قُنْيَانِ

فَإذَا ذُكِرْتَ وَأَنْتَ عُنْوَانُ الْفِدَى

فَاسْمُ الرِّفَاقِ تَتِمَّةُ الْعُنْوَانِ

رُزِئْتَ أَمِيناً أُمَّةٌ مَفْؤُودَةٌ

لِفِرِاقِهِ سَكْرَى مِنَ الأَحْزَانِ

خَرَجَتْ تُشَيِّعُهُ وَسَارَ بِرَمْزِهِ

مَنْ فَاتَهُ التَّشْيِيعُ لِلْجُثْمَانِ

تُزْجِي الصِّحَافِيَّ الأمِينَ المُجْتَبَى

عَفَّ الْجُيُوبِ مُطَهَّرَ الأَرْدانِ

طَلْقَ المُحَيَّا فِي الْحِجَابِ كَأَنَّمَا

نَسَجَ الأَشِعَّةَ نَاسِجُ الأَكْفَانِ

يَسْتَقْبِلُ اللهَ الْكَرِيمَ بِجَبْهَةٍ

بَيْضَاءَ خَالِيَةٍ مِنَ الأَدْرَانِ

أَعْزِزْ عَلَى الإخْوَانِ أنَّ مَكَانَهُ

مُتَفَقَّدٌ فِي مُلْتَقَى الإخْوَانِ

مَا كَانَ أسْمَحَهُ وَأَصْرَحَ طَبْعَهُ

وَأَرَفَّهُ لِلْمُسْتَضَامِ الْعَانِي

حَسُنَتْ شَمَائِلُهُ وَصِينَ إبَاؤُهُ

عنْ كُلِّ شائنةِ أَتَمَّ صِيَانِ

وَبِطِيبِ مَحْتِدِهِ زَكَتْ أَخْلاَفُهُ

فَتَضَوَّعَتْ كَالْوَرْدِ فِي نَيْسَانِ

إنَّ الصَّحَافَةَ فِيهِ عَزَّ عَزَاؤُهَا

مَا خَطْبُهَا فِي صَبِّهَا المُتَفَانِي

فِي النَّابِهِ المُوفِي عَلَى أعْلامِهَا

وَالنَّابِغِ السَّبَّاقِ لِلأَفْرَانِ

فَرْدٌ بِهِ جَادَ الزَّمَانُ وَمِثْلُهُ

قِدْماً يَكُونُ مَضِنَّةَ الأَزْمَانِ

هَيْهَاتَ أنْ تُطْوَى صَحَائِفُ زَانَهَا

بِطَراَئِفِ الآدَابِ وَالعِرْفَانِ

تَخِذَ الْحَقِيقَةَ خُلَّةً فَهُنَا عَلَى

عِلاَّتِ هَذَا الْعَيْشِ يَصْطَحِبانِ

وَيَزيدُهُ كَلَفاً بِهَا عُذَّالُهُ

فِيها فَمَا يَثْنِيهِ عَنْهَا ثَانِ

تَشْتَدُّ حُجَّتُهُ وَيَجْفُو حُكْمُهُ

وَلِسَانُهُ أبَداُ أَعَفُّ لِسَانِ

لَمْ يَخْشَ فِي الْحَقِّ المَلاَمَ وَلَمْ يَكُنْ

لِسِوَى الضَّمِيرِ عَلَيْهِ مِنْ سُلْطَانِ

أمَّا يَرَاعَتُهُ فَقُلْ مَا شِئْتَ فِي

لَفْظٍ تَفِيضُ بِدُرِّهِ وَمَعَانِ

لَمْ تَجْرِ فِي عَبَثٍ وَلَمْ تُنْكِرْ بِهَا

لُطْفَ المَكَانِ رَوَائعُ الْقُرْآنِ

لصَريرهَا رَجْعٌ تَسَامَعُهُ النُّهَى

وَلَهُ رَنِينَ مَثَالِثٍ وَمَثَانِ

يُلْقِِي سُرُوراً فِي النُّفُوسِ وَرَوْعَةً

بِالسَّاطِعَيْنِ الحَقِّ وَالبُرْهَانِ

وَعَلَى المَكَارِهِ ظَلَّ أوْفَى مَنْ وَفَى

لِحِمَاهُ فِي الإسْرَارِ وَالإعْلاَنِ

يَسْمُو إلى عُلْيَا الأمُورِ بِفِطْنَةٍ

تَأتِي البَعِيدَ مِنَ الطَّريقِ الدَّانِي

هَلْ بَعْثَةُ الدُّسْتُورِ إلاَّ وَحْيُهُ

مُتَنَزِّلاً كَتَنَزُّلِ الْفُرْقَانِ

وَحْيٌ إلَيةِ ثَابَ أرْبَابُ النُّهَى

فَتَألَّفُوا وَالخِلْفُ فِي خِذْلاَنِ

فِي ذِمَّةِ الرَّحْمَنِ خَيْرُ مُجَاهِدٍ

لَمْ يَلْتَمِسْ إلاَّ رِضَا الرَّحْمَنِ

كَانَ المُحَامِي عَنْ قَضِيَّةِ قَوْمِهِ

بِمضَاءِ لاَ وَكَلٍ وَلاَ مُتَوَانِي

لَمْ تَشْغَلِ الأَيَّامُ عَتْهَا قَلْبَهُ

بِالزِّينَتَيْنِ المَالِ وَالوِلْدَانِ

فَمَضَى وَمَا لِبَنِيهِ إرثَ غَيْرَ مَا

وَرِثُوهُ مِنْ ضَعْفٍ وَمِنْ حِرْمَانِ

أَنْبِتْهُمُ اللَّهُمَّ نَبْتاً صَالِحاً

وَتَوَلَّهُمْ بِالْفَضْلِ وَالإحْسَانِ

وَارْعَ المُحَصَّنَةَ الَّتِي بَرَّتْ بِهِ

بِرَّ الشَّرِيكِ المُسْعِفِ المِعْوَانِ

يَا رَحِلاً فِي مِصْرَ يَخْلُدُ ذِكْرُهُ

مَا دَامَ النَّيلُ وَالْهَرَمانِ

لَجَمِيلِ وَجْهِكَ صُورَةٌ مَطْبُوعَةٌ

بِالطَّابِعِ الأبَدِيِّ فِي الأَذْهَانِ

وَلِصَوْتِكَ الرَّنَّانِ مَا طَالَ المَدَى

فِي كُلِّ جَانِحَةٍ صَدّى تَحْنَانِ

مَا المَيْتُ كُلُّ المَيْتِ إلاَّ خَامِلٌ

يُطْوَى وَمَا لَحْدٌ سِوى النِّسْيَانِ

أَلمَجْدُ لِلآثَارِ خَيْرٌ حَافِظاً

فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْهُ لِلأعْيَانِ

فُزْ بِالنَّعِيمِ جَزَاءَ مَا قَدَّمْتَهُ

وَتَمَلَّهُ فِي زَهِرَاتِ جِنَانِ

وَاعْتَضْ خُلُوداً مِنْ حَيَاةٍ إنَّمَا

يُعْتَدُّ فَانِيهَا لِغَيْرِ الفَانِي


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

بقي الذكر والرغام فني

المنشور التالي

بلغت أقصى العمر الفاني

اقرأ أيضاً