في مدينة الرباط، المرفوعةِ على أمواج
الأطلسي العالية، يمشي الشاعرُ على الشارع
بحثاً عن مُصَادَفَة المعنى و عن معنى المصادفة.
يعرف النخيل جيّداً، و يسأل المارة عن
أسماء الأشجار الأخرى، حاملةِ الجَمْر، دون
أن يحصل على جواب واحد، كما لو أَن
الشجر وجهةُ نظر أو استعارة. لكن المارة يسألونه عن
وجهة الاستعارة في قصيدةٍ
ما نسي أنه كاتبها، فلا يقدّم جواباً واحداً،
كما لو أن الاستعارة شجرةٌ مجهولة الاسم.
من تحية إلى تحية، يمشي الشاعر على
الشارع كأنه يمشي في قصيدة غير مرئية،
يفتتحها شيخ مغربي ينحني على كسرة خبز … ينفض
عنها التراب، و يقبِّلها و يَدَّخرها رزقاً
للطيور في ثغرة جدار. و لي … في
مدينة الرباط مكان شخصي هو مسرح محمد
الخامس. هناك تمتلئ نفسي بما ينقصها
من ضفاف. ما أَعرفه عن نفسي و هو قليلٌ يكفي
لأن أتوحَّد مع هذا المعبد المفتوح لمفاجآت
الإلهام. كأني هناك لا أَقرأ و لا أُنشد،
بل أَرتجل ما يملي عليَّ الصمتُ و الضوء الخافت
و العيونُ التي ترسل الإشارات، فأصوغها في
عبارات و أعيدها إلى أَيدٍ تمسك بها
كما لو كانت مادة شفَّافة، مصنوعةً من
هواء. كأني أقرأ شعر غيري، فأطرب
لأنه شعر غيري. و أنا لا أنا إلا بقدر
ما يكون الشعر هو الشاعر. لكني أسترق
النظر إلى فتاة تضحك و تبكي في ركن
القصيدة القصيّ، فأبكي و أَضحك لها
متواطأ معها على فتح أبواب المسرح
للتأويل. و للمغاربة أن يقولوا: نحن
مَنْ أوحى إليه!
اقرأ أيضاً
البين بين أشجاني وأشجان
البَيْن بَيَّنَ أشجَاني وأشجاني وَبلَّ بِالدَّمعِ أرْداني وَأرْدْاني لم يَكفِني أنْ أذابَ الدَّمْع إنسانس وخَصَّني بَمَلامِ كُلِّ إنسانِ…
خذ من الدهر لي نصيب
خُذ مِنَ الدَهرِ لي نَصيب وَاِغتَنِم غَفلَةَ القَدَر لَيسَ طولُ المَدى نَصيب صَفوِ عَيشٍ بِلا كَدَر فَاِجلُ لي…
بغيابها كونت صورتها
بغيابها, كَوَّنْتُ صُورَتَها: مِنَ الأَرضيِّ يبتدئ السماويُّ الخفيُّ. أَنا هُنا أَزِنُ المدى بمعلَّقات الجاهليَّين… الغياب هُوَ الدليلُ هُوَ…
عاد منها كل مطبوخ
عاد مِنْهَا كُلَّ مَطْبوخِ غَيْرَ دَاذِيٍّ وَمَفْضوخِ وَاعْتقد مِنْ وُدِّ أَهْلِ الحِمَى كُلَّ وُدٍّ غَيْرَ مَشْدُوخِ وَانْتَشِقْ رَيَّاكَ…
إني وذكري من حسن محاسنها
إِنّي وَذِكري مِن حُسنٍ مَحاسِنَها مِثلُ الَّذي قالَ ما أَحلاكَ يا عَسَلُ أُحَدِّثُ الناسَ أَنّي قَد وَقَعتُ لَهُم…
يقر بعيني أن يلم رسولها
يقرُّ بِعَيني أَن يلمَّ رَسولُها بِبابي وَيَهدي بِالعَشِيِّ سَلامَها وَيَذكرَ لي دونَ الرِجال حَديثَها وَيَنشُرَ عِندي نطقَها وَكَلامَها
تقضى الذي قد كان بالأمس بيننا
تَقَضّى الَّذي قَد كانَ بِالأَمسِ بَينَنا وَأَسكَتَني دَهري فَهَل يَسكُتُ الدَهرُ
جفن تجافى للخلي عن الكرى
جَفنٌ تَجافى لِلخَلِيِّ عَنِ الكَرى وَهَوىً تَهاوى بِالمَطِيّ عَلى السُرى وَمُثَقَّفٌ لَدنُ المَهَزِّ يَشوقُهُ ما شاقَني فَإِذا هَزَزتُ…