عاتبتُ دهري في الجناية لو وعَى
ونشدتُه الحُرَمَ الوكيدةَ لو رعَى
وطلبتُ منه بسلمهِ وبحربهِ
نَصْفاً فأعيا حاسراً ومقنَّعا
في كلّ يومٍ عثرةٌ من صَرفه
لا تستقالُ بأن يقال لها لَعَا
جنِّبْ هواك ملوِّناً ساعاتِه
بالعذرِ لا يعطيك حتى يمنعا
لولا التحاملُ بالمصائب لم يكن
بالمنفساتِ من الذخائر مولَعا
نزلت مثقِّلة كفافك إنني
من قبل حملك موشِك أن أظلَعا
من ساءه صممُ المسامع إنني
يوم العَروبةِ ساءني أن أسمعا
ونعى أبا بكرٍ إليَّ صباحُهَا
لسفاههِ لو كان يعلم مَن نعى
يومٌ على الإسلام قبلَك فرحةٌ
ويكون بعدك حسرةً وتفجُّعا
ومن الدليل على مكانك في العلا
أن كان جمعُ صلاته لك مَجمعا
فكأنما داعي الأَذان لفرضِهِ
لك ساقهم وإليك تثويباً دعَا
وشككت إذ حملوك غيرَ مدافعٍ
بيدٍ فخطُّوا في الثرى لك مضجَعا
أعَدَوا على رجُلٍ فواروا شخصَه
أم طوَّحوا بيلملمٍ فتضعضعا
يا من عهدتُ العزَّ فوق جبينِهِ
من راب عزك فاقتضى أن يرجعا
من زمّ مَخطمَك الأبيَّ فقادَه
مع طول ما جذبَ الحبالَ فقطَّعا
وحوى لرقيته لجاجك فارعوى
ودعا نفارَك فاستجاب وأتبعا
وأرى معاشرَ كنت ضيقَ حلوقِهم
يتسابقون تفسُّحاً وتوسعا
ما كنتَ مغلوباً فكيف أبحتهم
ذاك الحمى وأضعتَ ذاك الموضعا
ولَجُوا عرينَك آمنين وربما
مرّوا به صعبَ الولوج ممنَّعا
جَمَعوا فما سدُّوا مكانَك ثُلمةً
وسَعَوا فما كانوا لخَرقك مَرقَعا
ما أغمد النعمانُ سيفَ لسانه
حتى ثويتَ فكان يومُكما معا
ومحدِّثٍ بالخُلد بعدك جَهلُه
وجدَ الشماتةَ حلوةً فتجرَّعا
لم تشفه منك الحياةُ بجهدهِ
فشفاهُ موتُك عاجزاً فتودَّعا
لا يشمتنّ وإن أقام مؤخَّراً
لابدّ أن يقفوك ذاك المَصرعا
كم فُتَّه باعاً ولو ملك المنى
لكفاه فخراً أن يفوتَك إصبعا
مالي وكنُت بربع دارك آنساً
أمسيتُ منه موحَشاً متفزِّعا
وأراه جدباً بعد ما قد زرتُه
خِصباً بودّك لي ويُسرِك مرتَعا
أيامَ أملكُ منك غير منازَع
في كلّ ما أروَى الوفاءُ وأشبَعا
سمعاً بطيئاً فيّ عمن لامه
وفماً إلى ما سرَّني متسرِّعا
فلأبكينّك من فؤادٍ ناصح
في الحزن إن جفنٌ بكى متصنِّعا
ولأحفظنّك باللسان ولن ترى
حقاً على الحرّ الفصيح مضيَّعا
وصلتْ ثراك على البلى وكَّافةٌ
تُرضي بروضتها المكانَ البلقعا
ملىء الثُّدِيِّ على الثرى حنَّانةٌ
تسقِي إذا فطمَ الحيا ما أرضعا
أخذتْ من الريح الشَّمالِ لها الصبا
عهدَ الأمان وذمةً لن تَقشعا
إن خان منك الدهرُ عهدي إنما
في نقضه وعلى محاسنه سعى
رفقاً بقلبي يا زمانُ فإنه
صُلبُ العصا ما أنَّ إلا موجَعا
راميتني فاترك لكفّي ساعداً
يُصمي المريَّة أو لكفِّي منزَعا
لو كان مَن أخَذَ الردى منّي له
عوضٌ أطال على الردى أن أجزعا
أو كنتُ أبكيه وأكحَلُ ناظراً
بنظيره ما بلَّ مني مدمَعا