لا تجزعي يا نفس من حكم الردى

التفعيلة : البحر البسيط

لا تجزَعي يا نفسِ من حُكم الرَّدَى

إن كانَ ما لا بُدَّ منهُ ولا فِدَى

لا خيرَ في هذي الحياةِ فإنّها

تَزدادُ سُوءاً كُلَّما طالَ المَدَى

سُحقاً لها من سَكرةٍ لا تَنجلِي

إلاّ وحادي البينِ فينا قد حَدا

حُلمٌ يُسَرُّ بهِ الفَتَى في نَومِهِ

جهلاً ويَضحكُ حينَ يَذكرُهُ غدا

هيهاتِ ليسَ مُهَّذبٌ بينَ الوَرَى

زاغ الحكيمُ ومَنْ بِحكمتهِ اقتَدَى

لا يَصرفُ الإنسانُ قيمةَ دِرهَمٍ

عَبَثاً ويَصرِفُ عُمرَهُ الغالي سُدَى

نَسعَى لنمتلِكَ الحُطامَ لغيرنا

من قومِنا ولَقد يكونُ منَ العِدَى

ومنَ العجائِب أن يقومَ خطيبُنا

يَهدِي العِبادَ بحيثُ ضَلَّ فما اهتَدَى

قد شابتِ الدُنيا وشابَ زَمانُها

مَعها وظَلَّ الموتُ فيها أمرَدا

سَيفٌ على طولِ المَدَى يَفرِي ولا

يَنبو ولا يَشكو الفُلولَ ولا الصَدا

والعيشُ بعدَ الموتِ في دارِ البَقا

لا قبلَهُ فالموتُ يُحسبُ مَولِدا

والموتُ يختار النَّفيسَ لنفسِهِ

مِنَّا كما نختارُ نحنُ فما اعتَدَى

قد نالَ مِنَّا دُرَّةً مكنونةً

كانت لبَهجتِها الدَراري حُسَّدا

كَنْزٌ ذَخرناهُ لنا فاغتالَهُ

لِصُّ المنيةِ خاطفاً مُتَمرِّدا

هذا شَقيقُ الرُّوح فَارَقَ في الحَشَا

بيتاً له قد صارَ شطراً مُفْردا

ليلي لوَحشتهِ طويلٌ أسودٌ

ولَوِ استَطَعتُ جعلتُ صحبي أسوَدا

أسفي على النَقَّاشِ نُخبةِ عصرِهِ

في كلِّ فنٍّ مُطلقاً ومُقيَّدا

أسفي على غُصنِ النَقا أسفي على

بدرِ الدُّجى أسَفي على بحرِ النَّدَى

نُوحي عليهِ يا حَماماتِ اللِوَى

مَعنَا وسَكِّتْنَ الهَزارَ إذا شَدا

وابكي عليه يا غماماتِ الضُّحَى

عنَّا فإنَّ الدَّمعَ منَّا اُستُنفِدا

نوحي عليه أيُّها الدَّارُ التِّي

كانتْ ببهَجتهِ تنادي مَعْبَدا

نُوحي عليهِ أيُّها الكُتُبُ التِّي

كانت أعزَّ جليسهِ حيثُ انتَدَى

تَسقِي ببيروتَ المدامعُ دارَهُ

وثَراهُ في تَرْسيسَ يَسقيهِ النَّدَى

خافت عليهِ أن يُبارحَ وَجْهها

فَتبطَّنتْهُ بقلبها مُتَوطِّدا

يا أيُّها الذَّهَبُ المُصفَّى جوهراً

مالي رأيتُكَ في الثَّرى مُتَرَمِّدا

ياأيها الحجرُ الكريمُ المُصطفى

مالي رأيتك صرت عظْماً أجردا

يا أيُّها السَّيفُ الصَّقيلُ المُنتضَى

مالي رأيتُكَ في تُرابٍ مُغمَدا

أرثيكَ ثُمَّ أراكَ تطلُبُ فوقَ ما

أرثي فأغتَرِمُ الرِّثاءَ مُجدَّدا

منا السَّلامُ عليكَ لكنْ يا تُرَى

هل مَن يُبلِّغُكَ السَّلامَ مُرَدَّدا

هل تسمَعُ الدَّاعي إليك مُلبِّياً

أم يستجيبُ صُراخَهُ رَجْعُ الصَّدَى

نبكي عليكَ ولو رأيتَ بُكاءَنا

لَبَكيتَ أنتَ لأجلِنا مُتنهِّدا

لم تترُكِ الأحزانُ قلباً سالماً

منَّا فكيف نُطيقُ أن نَتَجلَّدا

مارونُ خُذْ بيدي فإني ساقطٌ

إن كانَ أبقى الدَّهرُ منكَ لنا يدا

ما كانَ ضَرَّكَ لو سمحتَ بنَظْرةٍ

قبلَ الفِراقِ بها أكونُ مُزَوَّدا

هَلاّ بعثتَ مُبرِّداً أشواقنا

برِسالةٍ نُرْوي برُؤْيتها الصَّدَى

مالي رأيتُكَ لا تقومُ بمَوعِدٍ

ولقد عَهِدتُكَ ليس تُخلِفُ مَوعِدا

قد كنتُ أنتَظِرُ المُبشِّرَ باللِقا

فإذا بناعِيكَ المُبكِّر قد غَدا

يا وَيحَ قلبي هل تَعودُ إلى الحِمى

هيهاتِ ليس العَودُ عندكَ أحمَدا

مَن كان يبغي أن يراكَ فقُلْ لهُ

مهلاً فإنَّك في الطَّريقِ على هُدَى

إن كُنتَ عِفْتَ اليومَ جيرتَنا فقد

جاوَرتَ رَبَّكَ في عُلاهُ سَرْمَدا

أو غِبتَ عن نَظَرٍ فقد خلَّفتَ بالتْ

تَأْريخِ ذِكراً في القُلوبِ مُخلَّدا


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

من كان منك أميرا أيها الرمم

المنشور التالي

شوق يهيج وقلب طالما خفقا

اقرأ أيضاً

يا هيبة العرش

أَبْصَرْتُ في أَحَد المتاحِفِ مَرَّةً مَنْحُوتَةً من أَوَّلِ العَصْرِ الوَسِيطِ أَظُنُّ صَدْرَ كَنِيسَةٍ أو مَذْبَحاً عَرْشاً كبيراً خَالِياً…