تنبهوا يا عباد الله واعتبروا

التفعيلة : البحر البسيط

تنَّبهوا يا عِبادَ الله واعتبروا

فالموتُ بالبابِ والأرواحُ تنتظرُ

ما بينَ لحظةِ عَينٍ في تَرَدُّدها

تأتي المَنايا ويَمضي السَمْعُ والبَصَرُ

الرِّيحُ أفضلُ من أرواحنا مَدَداً

نَعَمْ وأفضلُ من أجسادنا الحَجْرُ

هاتيكَ تَرِجعُ إذ هبَّتْ نسائِمِها

وذاكَ يبقَى فلا يُمحى لهُ أثَرُ

أستغفرُ اللهَ من دهرٍ مضى عَبَثاً

في اللَّهوِ والسَّهْوِ نُمسي حيثُ نَبتكرُ

ندري بغُربةِ دارٍ نازلينَ بها

وليسَ يخطُرُ في بالٍ لنا السَّفرُ

دُنياكَ مِثْلُ خَيال الظِلِّ مُنبسِطاً

والنَّاسُ في طيِّهِ الأشباحُ والصُّورُ

نأتي ونذهبُ مِن أُنثَى ومن ذَكَرٍ

كأنمَّا لم يَكُن أُنثَى ولا ذَكَرُ

يمشي الفَتَى مِثْلَ ليثِ الغابِ مفترِساً

وكالفريسةِ يغدو وَهْوَ مُنكَسِرُ

قد باتَ كالبُرجِ عبدُ اللهِ ثمَّ غدا

مثلَ الهَباءِ الذي في الرِّيحِ يَنتثِرُ

لفُّوهُ ويلاهُ بالأكفانِ مندرِجاً

كما يُلّفُّ بغيمٍ في الدُّجَى القَمرُ

وسارَ في نعشِهِ عالي المقامِ كما

بالأمسِ كانتْ تُعلِّي قَدْرَهُ البَشَرُ

قد سابَقَ البينُ فيهِ الشيَّبَ مُختطِفاً

من قبلِ أن يَعتريهِ الشَّيبُ والكِبَرُ

رامَ الطَّريقَ إلى مَوْلاهُ مُختصراً

كسالكِ الطُّرِقِ يَستدني ويَختصِرُ

قد كانَ للنَّاسِ منهُ كلُّ مَنفَعةٍ

ممَّا استطاعَ ولم يُعرَفْ لهُ ضَرَرُ

وكانَ للنَّاسِ حَظٌّ من غِناهُ فقد

كانَ الغِنَى عندَهُ غُصناً لهُ ثَمَرُ

مُهذَّبُ النَّفسِ في قَوْلٍ وفي عَمَلٍ

لهُ على نفسهِ من قلبهِ سَهَرُ

بَني شُقَيرٍ خُذوا بالصَّبرِ واعتصِموا

إنَّ اللَّبيبَ على الأحزانِ يَصطَبِرُ

ربٌّ دعا عبدَهُ يوماً فبادَرَهُ

وكلُّ عبدٍ إلى مَولاهُ يبتَدِرُ

تُصرِّفُ النَّاسُ في الدُّنيا الأمورَ ولا

يَتمُّ فيها سِوَى ما صرَّفَ القَدَرُ

ورُّبما حَذِروا ما لا يُصادِفُهم

فيها وصادَفَهم غيرُ الذي حذِروا

للمرءِ في الدَّهرِ يومٌ لا مَساءَ لهُ

يرجو لِقاهُ وليلٌ ما لهُ سَحَرُ

يُعِدُّ للعَيْشِ من أموالهِ صُرَراً

شتَّى فيضحَكُ منهُ المالُ والصُرَرُ

كم ماتَ من شاربٍ والكأسُ في يدِهِ

فكانَ بينَ حواشي وِردِهِ الصَّدَرُ

ومُخبرٍ قبلَ أن تَمَّتْ عبارَتُهُ

بكلْمةٍ قد جَرَى عن مَوْتِهِ الخَبَرُ

النَّاسُ للموتِ لا للعيشِ قد وُلِدوا

فَهْوَ الحياةُ التي تُرْجَى وتُعْتَبَرُ

يا ويلَ أيَّامِنا الأولى التي رَبِحتْ

في الأرضِ إن خَسِرتْ أيَّامُنا الأُخَرُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

قل للوزير إذا وقفت ببابه

المنشور التالي

على نادي أحبتنا الكرام

اقرأ أيضاً

كازا

كازا تجيءُ إليَّ حاملةً جرارَ الوردِ تسألُ عن صباحٍ لم يلده الليلُ لا يُحصي الذنوبْ وأقولُ كازا ليس…