رثاء حركة تحرر

التفعيلة : حديث

جموعٌ كلُّ من فيها وحيدُ

ووَحْشَتُها تزيد إذا تزيدُ

وكل فوقَه غَيْمٌ بخيلٌ

وكلٌّ تحته أرضٌ تميدُ

وكل قلبُهُ طيرٌ ملولٌ

يريدُ العيشَ بعدُ ولا يريدُ

وكل لابسٌ ثوبَ المنايا

شهيدٌ في جنازته شهيدُ

غريبُ الناسِ من يحيا شريداً

وفي الموتى له قبرٌ شريدُ

وللقبرِ المؤقَّتِ ألفُ معنى

يضيقُ بها على السَّعَةِ النشيدُ

وما تبيَضُّ بالقَمَرِ الليالي

ولكن هُنَّ حينَ يَغيبُ سودُ

سيدي

يا ورطةَ الشُّعراء

سأمدح ضعفَك لا قوتَكْ

سأحملُ كيساً من الخيش

كالشحاذينَ أمرُّ به على الناسْ

أجمعُ فيه كل لغاتِ الأرضْ

ثم أنثُرها ثم أجمعُها ثم أنثُرها

تتطايرُ الحروفْ

فَتُشَكِّلُ كلماتٍ غيرَ مفهومةْ

وأخرى لا تُفْهَمُ إلا بالصُّدْفَةْ

سأفعلُها ألْفَ مرَّةٍ

وألْفَ مَرَّةٍ وأَلْفَ مَرَّةْ

ولا بُدَّ من مَرَّةٍ أن يَنْكَتِبَ النَّصُّ الذي أُرِيدْ

فَأَقْرأَهُ وَأَرْثيكْ…

سأحملُ كيساً من الصُّوفْ

وأمرُّ به على الناسِ كالشحاذينْ

يضعُ كلٌّ منهم فيهِ شَيئاً

قطرةَ نَدىً حذاءً قديماً

هندامَ مقاتلٍ في بيروتْ

يطلقُ النارَ من زاويةٍ الشارعْ منتبهاً للعَدُوّ

ولذوقِ الفَتَياتْ دموعَ الخروج إلى البَحرْ

الكوفيةَ الرقطاءَ والشَّعْرَ الطويلْ

الكاكيَّ المُشَمَّرْ وشمسَ آبْ

تُحِسُّ بالذَنْبِ لأنَّها لا تُحَذِّرُنا

لم يَأْذَنْ لها اللهُ أن تُحَذِّرَنا

مما تَنْوِيهِ لنا شمسُ الشهرِ التالي

أضعُ الشمْسَينِ في الكيسِ وأُكْمِلْ

أضعُ صياحَ امرأةٍ تنادي الموتى في مقبرةٍ بلا شواهدْ

سؤالَ الصَّحَفِيِّ إلى أينَ تذهبونَ من هنا

والجوابُ إلى القُدْسْ

أضعُ القدسَ في الكيسْ

الحروفَ الثلاثةْ و آلافَ السنينْ

ماضِي المدينةِ صدىً حولَ حاضرِها

والصَّدَى خُدْعَةٌ تُظْهِرُ الصَّوْتَ إلهياً وأَصْفَى

يدفعُ المرْءَ دائماً للغناءْ

بِغَضِّ النَّظَرِ عن جَمَالِ صَوْتِهْ

وكلُّ مغنٍّ مفتونْ

إذا وَضَعَتْ أمٌّ طِفْلَها في القُدْسِ

تَلَقَّاها مَلائِكُةٌ وَجُنُودْ

وغابت عنها سيارةُ الإسعافِ وطاقَمُ التمريضْ

ماضي المدينةِ صَدَى

ألُمُّ الصَّدَى من فوقِ رؤوسِ الجبالْ

وأضعُه في الكيسْ

أدقُّ على الناسِ الأبوابْ

أضعُ ما تَصَدَّقَ به القومُ من ثيابِ شُهَدَائِهم

نشراتِ الأخبارْ مَشْيَكَ بينَ الأنقاضْ

رِعْشَةَ يَدِكَ وأنتَ تُسَلِّمُ على عَدُوِّكْ

ابتسامَكَ له مَهْزُوماً

افتعالَك المتْقَنَ للسَّعَادَةِ الغامِرَةِ برُؤْيتِهْ

كذبَكَ عليه وكذبَكَ علينا كذبَكَ على نفسِكْ

أَضَعُهُ في الكِيسْ

ألُمُّ أكياسَ الرَّمْلِ من أيامِ حِصَارِكْ

أَكْتُبُ على كلِّ كيسٍ اسمَ المدينةِ التي جاءَ مِنْها

الرَّمْلُ رَمْلٌ كريمْ

تتنكَّرُ له المدُنُ ذاتُ الفنادقِ والحاناتْ

ثُمَّ لا يحميها غَيْرُهْ

بَدَوِيٌّ جافّْ

لا يعرفُ الفَرَنْسِيَّةْ ولا يَشْرَبُ الخَمْرْ

يأخذُ الرَّصاصَ عنها

ويبقَى هادِئاً

الرملُ رملٌ كريمْ

الشهداء يدخلون من بوَّاباتِ الله

الباقونْ كَلاَّ فليبقَوا خارجاً لم يموتوا بعد

أَضَعُ ذهولَ عينيكْ

الحقيقيَّ والمصطَنَعْ

في زمانِكَ كيفَ تُذْهلْ؟

في زمانك كيف تَكُفُّ عن الذهول؟

دهشةٌ متوقَّعَةٌ دائماً

كبيتِ الرعبِ في مدينةِ الملاهي

أو كمدينةِ الملاهي في بيتِ الرعبْ

أضع ارتباكَ شَفَتَيْكْ

تقبيلَكَ النَّاسْ

أختارُ قبلةً واحدَةْ

لضمادٍ على يَدٍ صَغِيرَةْ

لن تَنْضَمَّ أصابعُها على شيء أبداً إلا على قُبْلَتِكْ

أضع إصرارَك على تكرارِ الكلامْ

لُغَتَكَ الإنكليزيةَ العَرْجَاءْ

إحساسَنا بالاخْتِنَاقِ كلَّ مرَّةٍ تُوَقِّعُ فيها على ورقةٍ

يُناولُها لك القُنْصُلْ

وداعَتَكَ الكَلِيلَةْ

نراها للمرَّةِ الأولى في صورتِكَ الأخيرَةْ

أضعُ البيجاما وقُبَّعةَ الصوفِ في الكيسْ

كأنك رضيتَ بالإجابَةْ

سلَّمْتَ الوَرَقَةَ إلى المُرَاقِبِ الأعظمْ

لم يَعُدْ عِنْدَكَ صَبْرٌ أنْ تُرَاجِعَها

نَظَرْتَ إلى الأسئلةِ والإجاباتْ قُلْتَ

هذا أنا

أتعبَني الامتحانُ جداً

الحمدُ لله انْتَهى

كلُّ شيءٍ بعدَها مقبولْ

أيها المراقبُ خذْها

لطالما اْقْتَنَعْتَ بِدَوْرِ المراقِبِ ولم تَتَدَخَّلْ

حتى والقومُ يَهُزُّونَ قوائِمَ عَرْشِكْ

حتى والمكانُ ينهارُ علينا وعَلَيْكْ

وكأنَّكَ إن تحرَّكْتَ خَسِرْتَ وَقَارَكْ

هَيبَتَكْ وَخَسِرْتَ بُعْدَكْ

هل تكونُ قريباً قط

أم أنَّكَ أنتَ البعدُ عينُه

فلا قربَ لَكْ

أيها المراقبُ الأعظمُ خُذْها لا تَرْدُدْها إلَيّْ

صحِّحْ وَقَيِّمْ ما شِئْتْ

أما أنا فمُتْعَبٌ جداً

أَلُمُّ كلامَكَ هذا كالوَبَرِ من عَلَى سُتْرَتِكَ

وَقُبّعَتِكَ الصوفْ إذ تقصد المستشفى

أمُرُّ بالكيس على باعةِ الجرائدْ

كل يضعُ فيه شيئاً

سلاماً دمعةً غضباً حَيْرةً

إنَّ لكُلٍّ منَّا سَهْمَاً فيكْ

أيها المنسوجُ منا

شهدائِنا وأوغادِنا

أيها الحاكمُ المحكومْ أيها الجبارُ المهزومْ

أيها المبتسمُ المهمومْ أيها الظالمُ المظلومْ

ألُمُّ الصِّفاتِ وأضدادَها من القواميسْ

أضعُها في الكيسْ

أضع صورتي واقفاً بين يَدَيْكْ عُمْري أرْبَعُ سَنَواتْ

أُرِيكَ شَطَارَتي وَمَعْرِفَتِي بالأبجدِيَّةِ فخُوراً

أغضبُ لأنَّكَ لم تَنْتَبِهْ

أضعُ الصُّورَةَ في الكيسْ

أضع الكيسَ أمامي

أَرْكِزُ عليهِ عَلَماً

أكتب عليه اسماً وتاريخينْ

أَجعلُهُ حَوْلَ الرِّقابِ حِجَاباً

أَقُولْ

ألا أيها الناسُ عندي حجابٌ

سيجعلُ كلَّ القبورِ مُؤَقَّتَةً فَخُذُوهُ

فمن ماتَ منكم وهذا الحجابُ على عُنْقِهِ

لن يموتَ وإن ماتَ إلا قَلِيلا

ومن عاشَ وَهْوَ على عُنْقِهِ

عاش يحملُ حِمْلاً ثَقِيلا

ألا يا نسيجاً تَشَابُكُهُ كنُقُوشِ المُصَلَّى

حَنَانَك حتى البكاءُ عليكَ أراهُ سيحتاجُ شَرْحاً طوِيلا

ويبقى البكاءُ على رَغْمِ كُلِّ الشُّرُوحِ لَهُ غَامِضاً

وَيُقَصِّرُ عَنْكَ

وَحَقِّكَ لَسْتُ بِدَارٍ لماذا نُحِبُّكَ لكنني

أَتَأَكَّدُ إذ يُظْهِرُ القولُ لي نَفْسَهُ أن سَيَبْقَى رِثَاؤكَ

والشُّكْرُ والمكْرُ يَرْجِعُ في هَذِه لَكَ يا سَيِّدِي

أَقُولُ سَيبْقَى رثاؤكَ يا شَيْخَنَا

مُسْتَحِيلا


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

صورة

المنشور التالي

أيها الناس

اقرأ أيضاً