هاهو ذا يصارع الآلام قلبه ليحمل القلم بعد انقطاع دام لسنوات طويلة لم يكتب فيها إلا نادرا لم يستطع كبح دموعه وهو يفتح عليه باب الجحيم وهو يعلم أن أقدامه ستطأ ارض الظلمات ذلك الماضي السحيق الذي يحاول نسيانه أو على الأقل تناسيه ما أمكن لا يعلم من أين يبدأ الكلام أوأين يستقر فالذكريات انهالت عليه من كل صوب و يا ليثها كانت ذكريات جيدة حسنا فل نعد إلى يوم الميلاد يوم لا يعلم إن كان حارا أو باردا كل ما يعلمه من أقوال شهود عاينوا ولادته انه ولد قبل أوانه .
لتبدأ سلسلة اللعنة فأبوه لم يرغب في دفع تكاليف المستشفى الشيء الذي دفع الطبيب إلى وضعه في علبة من الكرتون قائلا أن حياته في خطر و انه سيموت بعد ثلاثة أيام لكن شاء القدر أن يخط له طريقا أخر بقدرة قادر تمكن من العيش لكن ذلك الإهمال الذي تعرض له سبب له في إعاقة حركية على مستوى قدميه .
لم يكن المسكين يذكر شيئا فطفولته قضاها برفقة جدته في البادية في وسط اجتماعي لا يرحم و وسط عائلة تراه عار عليها الشيء الذي جعلهم يضعونه في غرفة واحدة مغلقة الأبواب و النوافذ حتى يكون وجوده مجهولا للجميع لم يكن هناك شيء جيد في طفولته المبكرة في عمر الثلاث سنوات انتقل مع والديه إلى المدينة .
بالطبع قد تتخيلون أن هذه ستكون نقطة التغيير يأسفني أن أخبركم أن الأمر استمر كما كان بل وانه أصبح أسوء حيث انه كان يتعرض للضرب على ابسط الأشياء و كأنه يدفع ثمن الإهمال الذي أدى به إلى هذه الحال و كالعادة لم يكن مسموحا له بالخروج أو رؤية احد كانت حياته في حدود غرفة من أربعة جدران صامتة لا تتكلم كان وحيدا بما فيه الكفاية ليخترع أصدقاء و في
الحقيقة كسب أصدقاء من نوع آخر و قد تستغربون إن أخبرتكم أن أول صديق له كان هوالظلام فقد كانت غرفته مظلمة اغلب الوقت وأما صديقه الثاني فقد كان الألم .
فقد كان يتعرضللضرب اغلب الوقت و كان يمضي جل لياليه يبكي دون هوادة حتى اعتاد على الأمر و لم تعد تلك الآلام تحرك شيئا في نفسه مرت الأيام مثل بعضها و توالت السنوات هو الآن طفل في السابعة من عمره حمل على كاهله من الآلام الجسم و الروح ما لا طاقة له به كانت أول مرة يخرج فيها للعالم أول مرة يخرج خارج البيت ففي الحقيقة لم يكن سيحظى بفرصة التعلم لولا
تدخل احد الصالحين و الذي جعل أباه يعذل عن فكرة إبقاءه في البيت لكن فكرة الخروج لم تكن مستساغة بالنسبة لهم فكان الخروج بشروط صارمة لا تكلم أحدا و لا تبتسم و أشياء من هذا القبيل .
مرت السنوات الأخرى كسابقاتها في عمر السابعة عشر كان تلميذا في المرحلة الثانوية تلميذ منعزل بالكامل يجلس وحيدا اغلب الأحيان لكن الآلام الماضي فجرت داخله ملكة الإبداع فقد كان شخصا مولعا بالكتابة و التأليف كان يكتب بشغف كبير كان يضع قلمه في صفحة بيضاء بين رمشة و أخرى كانت الورقة تمتلئ عن أخرها و كأن القلم يسير من تلقاء نفسه بينما كان يكتب ذات ليلة في غرفته المظلمة رفقة وحدته المنكرة و صمته المطبق سقطت قطرة دم من عينه و دنست تلك الورقة البيضاء اختلط الحبر بالدماء فلم يتمالك نفسه وعاد إلى الوراء بخوف هستيري و كأن تلك القطرة اليتيمة قد أيقظته عادت به الذاكرة إلى ماضي سحيق في
وقت كان يقضي فيه أيامه في غرفة واحدة لم يكن مسموحا له بالخروج لم يقضي طفولة كباقي الأطفال كان منعزلا جدا بشكل كامل لم يخالط الناس لمدة طويلة حتى كأنه لا يدرك وجود الناس .
في الخارج و في الحقيقة لم يكن مهتما. بالنسبة له كانت تلك الغرفة كل عالمه لم يحظى بألعاب كباقي الصبيان و لم يأكل الحلوى لم يكن يبتسم لمشاهدة الرسوم المتحركة كان شخصا لا يشعر إلا بالظلام يكتسحه الآلام التي تسري في رجليه المربوطتين بإحكام إلى ألواح خشبية كان يلهيه عن الشعور و الاستماع لقد كبر والألم هو رفيقه الوحيد لم يكن احد يتحدث معه كان بالنسبة للجميع عارا عليهم كان الجميع يعامله كشخص ناقص و شيء تافه بلا فائدة كان يلاحظ تصرفات الجميع و كان يعلم انه غير مرغوب فيه لعن نفسه في أعماق قلبه كره نقصه و عجزه الذي لم تكن له يد فيه احتقر العالم و نظر إلى الأصحاء بنظرة ازدراء كان يعلم أنهم بينهم وبين أنفسهم يقولون يا له من عاجز لكن ذلك لم يكنمهما الآلام رجليه كانت أسوء يا للهول لقد مر اليوم سريعا و حان وقت النوم و في اغلب الأحيان دون أكل قبل أن يغلق عينيه كل ليلة يلعن العالم بأكمله و يستسلم لنوم أسوء من واقعه
وعند هذه النقطة ارتعشت يده و امتنعت عن كتابة المزيد .
أفقت من رحلة الذاكرة لأجد الدموع تغمر وجهي يا الهي أنا على أعتاب الخامسة و العشرين من عمري و مازلت اذكر كل هذه التفاصيل كأنها حدثت ليلة أمس و في الحقيقة مازال والدي متسلطا و مازالت هذه الأمور تأخذ مني الكثير كل ليلة .