أما والنقا لولا هوى ظيبةِ النقا
لما قلتُ حيّا اللّه داراً ولا سقَى
ولا أرسلتْ عيني مع الليل لحظَها
ترودُ السحابَ الجَونَ من أين أبرقا
خليليَّ دعوى الودّ بابٌ موسَّعٌ
ولكن أرى بابَ التصادق ضيّقا
ألم تر يوم الجو ما كنت مبصراً
فلِمْ دمعيَ الجاري ودمعُك قد رقا
نجوتَ وفي أسرِ الهوى لك صاحبٌ
فهل أنت مغنٍ عنه أن رحتَ مطلَقا
سل الجيرة الغادين هل مُودَع الهوى
أمينٌ وهل بعد التفرُّق ملتقى
وأين الظباءُ العاطيات إلى الصِّبا
يجاذبنه الأغصانَ ريَّانَ مورِقا
حلفتُ بدين الحبِّ يومَ سويقةٍ
أليّةَ مغلوبٍ تألَّى ليصدُقا
لَمَا بعث القاريُّ زُرق نبالهِ
بأقتلَ من تلك العيونِ وأرشقا
كأنَّ فؤادي عند صائحةِ النوى
وقد رقَّ ضُعفاً أن يجيشَ فيخفُقا
أديمٌ تفرَّاه الزمانُ فلم تجدْ
به نَغَلاً أيدي الخوالقِ مُخلِقا
ولمّا اتقى نبلَ الوشاة بصبره
رمته وشاةُ الدمع من حيثما اتقى
حَمَى اللّه عيشاً إن حمَىَ العيشَ باللوى
تكدّر بعدي صفوُه وترنَّقا
ورئماً بجنبَيْ غُرَّبٍ ما تمتّعتْ
لحاظي به حتى أخيف فشرَّقا
ضممتُ عليه مغرماً ساعةً يدي
وخلّيت لمّا رعتهُ عنه مشفِقا
ولم أك لمّا صِدتُه فسرحته
بأول قنّاصٍ تجنّى فأخفقا
وأعلم لو أن الشبيبةَ كُفَّتي
هناك لأمسى في حباليَ موثَقا
أليلَ سوادي ما أرى الصبحَ سَرّني
فمن ردَّ لي ذاك الظلامَ فأغسقا
أبيت تَنزَّى بين جنبيَّ لسعةٌ
لذكرِك شافي عضِّها غيرُ من رقى
أبَى خُلُقُ الأيّام إلا إساءةً
وأحسن حيناً كُلفةً وتخلُّقا
أعاتبُها لو كان يجدي عتابُها
ومن حالَمَ الخرقاءَ أصبح أخرقا
تعجَّبُ مني أختُ عذرةَ أن رأت
بحبلِ بني الدنيا رجائي معلَّقا
وقد عهدتني منهُمُ ناصِلَ المنى
إذا لمسوا ودّي تفلَّت مزلَقا
وقالت متى استذرى وقد كان مصحراً
وخبَّ وقد كنا عهدناه مُعنِقا
إليكِ فإني ما انحططتُ لرفدهم
وبي نَهَضانٌ عنه أن أتحلَّقا
وما كلّ يوم يأكل المرءُ ما جنت
يداه له قسراً ويشربُ ما استقى
وإني على ما قد ألِمتُ محسَّدٌ
أكابدُ مفئوداً عليَّ ومُحنقا
بُليت بمغتابين لحمَ أخيهمُ
يبيت وما جاعوا لديهم ممزَّقا
إذا سَرَحتْ عنّي من الفضل هجمةٌ
أحالوا عليها عاقرين وسُرَّقا
رمَونيَ إذ أضحوا هَواناً أخامصاً
ذُنابَى وأن أصبحت في الفضل مَفرِقا
أحدّوا أظافيري فلم أحتلبهمُ
ولا لحمَ إلا ما أرى فيه مَعرَقا
جنايةُ جهلٍ جرّها الحلمُ عنهمُ
وما كنتُ أخشى أن أرى الحلم مُوبقا
ولما رأيت العفوَ لا يستردُّهم
ولا العتبَ صيّرتُ العتابَ التفرُّقا
طرحتهمُ طرحَ السِّقاء تفجّرت
مخارزُه بالماء حولَين مُخلِقا
لئن نُفضتْ باليأس كفّيَ منهمُ
وأصبحتُ مما يغمر العيشَ مملقا
فلي من ربيب النعمة اليومَ نعمةٌ
تردُّ الصِّبا جذلانَ والعمرَ مونِقا
خلائقُ إمّا ماءُ كَرْمٍ مرقرَقاً
أُغادَى به أو ماءُ مُزنٍ مصفَّقا
كأن الصَّبا جرّت عليه ذيولَها
أصيلاً وفأرَ المسك عنها تفتَّقا
أغرُّ هلاليٌّ صحيفةُ وجهه
إذا طلعتْ لم تُبق للشمس مَشرِقا
ترى الحسن فيها واقفاً متحيّراً
وماءَ الحياءِ فوقها مترقرِقا
بليلُ يدِ المعروف لو مرّ كفُّه
على الصَّلد من أحجارِ سلمى تدفّقا
يرى المالَ وِزراً في الرقاب مجمَّعاً
فيعيا به حتى يراه مفرَّقا
من النفر المطفين جدبَ بلادهم
بماءِ الندى الجاري إذا العامُ أحرقا
ميامين تلقى الخيرَ يوم لقائهم
إذا خفتَ يُسرَى أو تعيَّفتَ أبلقا
طِوال العمادِ طيّبٌ نشرُ أرضهم
حييُّون حتى تطرقَ الحربُ مَطرَقا
إذا ناهز الضيفُ البيوتَ تبادروا
له فاستوَوا فيه غنيّاً ومخفقا
حَموا مجدهم بالسمهريّ تطاعناً
وبالكَلِم المربي على الطعن منطِقا
تؤم الفتى منهم حليماً فإن تقل
يقل مفحماً لدى الخصوم ومرهقا
إذا أشعل الأبطالُ في الحرب شوكةً
وَطَوها حفاةً أرجلاً ثمّ أسؤقا
بكلّ غلامٍ لا ترى السيفَ يحتمى
ولا الموتَ في نصر الحفيظة يتّقى
إذا قام ساوى الرمحَّ حتى يمسَّه
بغاربه أو طالَ عنه محلِّقا
تمارت له أيدي القوابل إذ بدا
أيبرز نَصلاً أم جبيناً مُطرَّقا
يدلُّ عليه بشرُه قبل نطقه
سنا الصبح أمّ الفجرَ ثمّ تألّقا
يطُرّ سناناً كاللسان حلت له ال
نفوسُ إذا اشتاق الدماءَ تذوَّقا
لهم قَصَبٌ في المجد زدت مصلّياً
عليها وإن مرّوا أمامك سُبَّقا
وما ضرّ ساري ليلةٍ لو تناثرت
كواكبُها ما امتدَّ للقمر البقا
لك المجدُ يلقى حاجبُ الشمس دونه
مواقفَ جَدٍّ لم يجد عنه مرتَقى
مناسبُ ودَّ النجمُ لو تستضيفه
إليها دعيّاً أو تسمّيه ملحَقا
تمكَّن إسماعيلُ منه ورهطُه
مكانَ تمنَّى البدرُ لو أنه ارتقى
إذا عقَد النادي الفخارَ عددتُهم
أباً فأباً حتى عددتُ الموفَّقا
أبوك الذي أعيا الملوكَ جذابُهُ
فأعطَوه ليناً ما اشتهى وترفُّقا
تَداركَهم والشرُّ يفغَرُ نحوهم
فأمسكَ فيه دون ذاك المخنَّقا
دَعَوهُ وأطرافُ الرماح تنوشهم
لَحاقِ فلبّاهم فأُكرِمَ مُلحِقا
فأنشَرهم مَوتى وأنقذَ بالقنا
نعيمَهم المعتادَ من قبضةِ الشقا
له صارمٌ ريّانُ من دمِ بعضهم
وآخرُ يحمي بعضه أن يمزَّقا
حَمَى بين كِرمانٍ إلى الثغر سيفُه
وعمَّ بلادَ الجوْرِ عدلاً وطبَّقا
ولم يُبقِ فوق الأرضِ للخوف مَسرَحاً
ولا لَجناح الظلم في الجوْر مَخفَقا
وما مات حتى أبصر العيش ذلَّةً
وحملَ الأذى غُلّاً على الحرّ مُوبِقا
ولما أراد الدهرُ تعطيلَ جيدِهِ
من الشرف اختارَ الحسام فطوَّقا
فَداك من الأقران أبترُ لم يكن
عتيقاً ولا في المجد مثلَك مُعرِقا
إذا لفَّه المضمارُ يومَ عريكةٍ
بنقعك ولَّى يسأل الأرضَ مَنفَقا
يرى مثلَ عينيه لأسودِ قلبه
عدوّاً على أخرَى قناتك أزرقا
أبثُّك عن قلبٍ أحبَّك صادقاً
إذا كان حبٌّ خدعةً وتملُّقا
وُصِفتَ له قبلَ اللقاء فشقتَهُ
فلمّا التقينا صاده كَرَمُ اللقا
وأصبحتَ من قومٍ عليه أعزّةٍ
قضى الدهرَ مختصّاً بهم متحقِّقا
فزارك من أبكاره بكريمة
من الخيّرات الغرِّ صوناً ورونقا
عزيزٌ على غير الكرام افتراعها
وإن ساق أعناقَ المهورِ وأصدَقا
ولما رددتُ الراغبين ولم أدع
عليها لرامٍ بالمنى متسلَّقا
أتاني بشيرُ الخير أن قد خطبتَها
فما كدتُ مسروراً به أن أصدِّقا
وزدتُ يقيناً فيك أنّك واحدٌ
إذا اخترتَ كنتَ العارفَ المتأنِّقا
فأشرفُ نفسٍ همّةً نفسُ ماجدٍ
يبيت إلى أمثالها متشوِّقا
فراعِ أباً في حفظها لم يجدْ لها
سَواءك كفئاً ما تنخَّلَ وانتقَى
لئن سُمتَنيها بادئاً بِطلابها
لَتستثمرنْ منها الثَناء المنمَّقا
كجوهرةِ الغوّاصِ دلّاهُ حظُّه
عليها فأهوَى ما استطاع وعمَّقا
وابرزها بيضاءَ تنصُفُ كفَّه
وميضاً ترى وجهَ الغنى فيه مشرِقا
وقد أفسد الناسُ المقالَ فلا ترى
لكثرةِ مَن يرضى المحالَ محقِّقا
أرى العيدَ والنيروزَ جاءا فأعطيا
أماناً من الأحداثِ فيك وموثقا
فغادِ بذاك لذّةَ العيش مُصبِحاً
ورواحْ بهذا سُنّة الدِّين مُغبِقا
وأعطِ وخذْ عمرَ الزمان محكَّماً
وضحِّ وعيِّدْ ناحراً ومشرِّقا
فلو كانت الأيامُ تَنطِقُ أفصحَا
بما فيك من حسن الثناء وأنطقا