هو الدهر لم يترك مشن غواره

التفعيلة : البحر الطويل

هو الدهر لم يترك مَشَنَّ غِواره

على سابق من ليله أو نهاره

يثير غبار الحادثات بكَرِّه

وهل نحن إلاّ من مُثار غباره

وكم عِبَر مطويّة في صورفه

فهل من مُجيل فيه طرف اعتباره

خليليّ أن الأرض غربال قُدرة

تجمّعت الأحياء بين اطاره

تَميد به كفّ الزمانِ تحرّكاً

لمَحْوِ ضعيف أو لأثبات فاره

فيبقى به الأقوى قرين ارتقائه

كما يسقط الأوهى رهين اندثاره

فلا عيش في الدنيا لمن لم يكن بها

قديراً على دفع الأذى والمكاره

لعمرك ما هذه الحياة بملبَس

لمن حيك من عجز نسيج شعاره

ولكن لمن أمسى بأيْد وقوّة

يجرّ على الأيام فضلَ ازاره

أرى الشمس يُخفي ضوءُها كل شارق

وإن كان ينبو الطَرْف عن مستناره

وما ذاك إلاّ أنّها في تَّلَهُّب

يموج بنور ساطعَ وقْد ناره

فلم يستطع نجم طلوعاً تجاهها

إذا لم يَعُذْ بالليل غبَّ اعتكاره

كذاك ضعيف القوم أن كان جاره

قوياً يكن شِلواً أكيلاً لجاره

وما الليث لولا بأسه في عرينه

بأشرفَ من ضبّ الفلا في وجاره

ومن غاوره اليام غيرَ مُدجَّج

فلا يطعمَنْ في مَغنَم منَ مَغاره

ومن لم يُهِن صَرْف الزمان برحلة

تُهِنْهُ صروف الدهر في عُقر داره

وما شرفُ الدرِ الثمينِ فريدُه

إذا هو لم يَبْرَح بطون مَحَاره

أرى كل ذي فقر لدى كل ذي غنىً

أجيراً له مستخدَماً في عَقاره

ولم يعطه إلاّ اليسير وإنما

على كدّه قامت صروح يَساره

ويلبس من تذليله العزّ ضافياً

وينظره شزراً بعين احتقاره

يَشُدّ الغنى أزر الفتى في حياته

وما الفقر إلا مكسرٌ في فقاره

وليس الغنى إلاّ غنى العلم أنه

كنور الفتى يجلو ظلام افتقاره

ولا تحسَبنّ العلم في الناس مُنْجياً

إذا نكَّبَت أخلاقهم عن مناره

وما العلم إلاّ النور يجلو دجى العمى

ولكن تَزوغ العين عند انكساره

فما فاسد الأخلاق بالعلم مُفْلِحاً

وإن كان بجراً زاخراً من بحاره

سل الفلك الدوّار عن حركاته

فهل هو فيها دائر باختياره

وهل هو في هذا الفضاء مسافر

له غاية مقصودة من سِفاره

وهَبْنا جهلنا بدأه من تقادم

فهل يدرك العقل انتهاء مداره

متى ينجلي ليل الشكوى عن النُهى

وترفع كفُّ العلم مُرْخى ستاره

ألا وَرْيَ في زند الزمان فنهتدي

بسقط ضئيل من سقيط شراره

أرى الدهر ليلاً كلّه غيرَ مُبصر

وإن كان في رَأد الضحا من نهاره

وأهليه ساروا خابطين ظلامه

وإن ركبوا في السير متن بخاره

لعمرك أن الدهر يجري لغاية

فإن شئت أن تحيا سعيداً فجاره

وها هو ذا يعدو فيبتدر المدى

وينهب أعمارَ الورى في ابتداره

لقد فاز من بارى جديده جدّةً

وخار الذي في جدّة لم يباره

وليست حياة الناس إلاّ تجِدّداً

مع الدهر في إيباسه واخضراره

وما الناس إلاّ الماء يحييه جَرْيُه

ويُرديهُ مكث دائم في قراره

لك الخير هل للشرق يقظة ناهض

فقد طال نوم القوم بين دياره

ألم تر ان الغرب أصلت سيفه

عليهم وهم لاهون تحت غِراره

وبادرهم كالسيل عند انحداره

وهم في مهاوي غفلة عن بِداره

أما آن للساهين أن يأبهو له

وقد أصبحوا في قبضةٍ من اساره

تراهم جميعاً بين حيران واجمٍ

وآخر يُطري ماضياً من فَخاره


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

أمارس دهرا من جديدي داهرا

المنشور التالي

أرى الدهر لا يألو بستر الحقائق

اقرأ أيضاً