علام حُرِمنا منذ حينٍ تلاقيا
أفي سفر قد كنت أم كنت لاهيا
عهدناك لا تَلهو عن الخِلّ ساعةً
فكيف علينا قد أطلت التجافيا
وما لي أراك اليوم وحدك جالساً
بعيداً عن الخُلاّن تأبَى التدانيا
أنابَكَ خَطب أم عَراك تعشُّقٌ
فإنّي أرى حزناً بوجهك باديا
وما بال عينيك اللتين أراهما
تُديران لحظاً يحمل الحزن وانيا
وأيُّ جَوىً قد عُدت اصفر فاقعاً
به بعد أن قد كنت أحمر قانيا
تكلّم فما هذا الوُجوم فأنني
عهدتك غِرِّيداً بشعرك شاديا
تَجَلَّد تجلّد يا سليم ولا تكن
بما ناب من صرف الزمان مُباليا
ولا تبتئس بالدهر أن خطوبه
سحابة صيف لا تَدوم ثوانيا
فقال ولم يملِك بوادرَ أدمع
تناثَرْن حتى خلتهنّ لآليا
لقد هجتني يا أحمد اليومِ بالأسى
وذكَّرتني ما كَنت بالأمس ناسيا
أتعجَبُ من حزني وتعلمَ أنني
قَرِيع تباريح تُشيب النواصيا
لقد عشت في الدنيا أسيفاً وليتني
تَرَحّلت عنها لا عليَّ ولا ليا
وقد كنت أشكو الكاشحين من العدى
فأصبحت من جور الأخِلاّء شاكيا
وما رحت أستشفي القلوب مداوياً
من الحِقد إلاّ عدت عنها كما هيا
ودارَيت حتى قيل لي متملِّق
وما كان من داء التَمَلُّق دائبا
وحتى دعاني الحزم أن خَلِّ عنهم
فإن صريح الرأي أن لا تُداريا
وربّ أخ أوْقَرت قَلبي بحبّه
فكنت على قلبي بحُبِّيه جانيا
أراد انقيادي للهوان وما درى
بأنيَ حر النفس صعب قياديا
إذا ما سمائي جاد بالذُلّ غَيْثها
أبَيْت عليها أن تكون سمائيا
ألا فَابْك لي يا أحمد اليوم رحمةً
ودعني وشأني والأسى وفؤاديا
فإنّ أحقَّ الناس بالرحمة امرؤٌ
أضاعِ وداداً عندَ من ليس وافيا
وما كان حَظي وهو في الشعر ضاحك
ليظهر إلاّ في سوى الشعر باكيا
ركِبت بحور الشعر رَهْواً ومائجاً
وأقْحَمْت منها كلّ هَوْلٍ يراعيا
وسَيَّرت سُفْني في طِلاب فنُونه
وألْقيت في غير المديح المَراسيا
وقلت اعصِني يا شعر في المدح إنني
أرى الناس مَوْتَى تستحق المرانيا
ولو رضِيَت نفسي بأمرٍ يَشيِنها
لما نطقت بالشعر إلاّ أهاجيا
وكم قامَ ينعَى حين أنشدت مادحاً
إليّ الندى ناعٍ فأنشدت راثيا
وكم بشّرتَنْي بالوفاء مقالة
فلما انتهت للفعل كانت مناعيا
فلمّا بكى أمسكت فَضلِ ردائه
وكفكفت دمعاً فوق خَدَّيْه جاريا
وقلت له هَوِّن عليك فإنما
تَنوب دواهي الدهر من كان داهيا
وما ضَرّ أن أصفَيْت وُدّك مَعشراً
من الناس لم يَجْنُوا لك الوُدّ صافيا
كفى مَفخراً أن قد وفَيْت ولم يَفُوا
فكنت الفتى الأعلى وكانوا الأدانيا
لعلّ الذي أشجاك يُعقب راحة
فقد يَشكر الأنسان ما كان شاكيا
ألاّ ربّ شرّ جرّ خيرا وربما
يجُرّ تجافينا الينا التصافيا
فلو أن ماء البحر لم يك مالحاً
لرُحنا من الطوفان نشكو الغواديا
ولولا اختلاف الجذب والدفع لم تكن
نجوم بأفلاك لهنّ جواريا
وكيف نرى للكهرباء ظواهراً
إذا هي في الأثبات لم تلق نافيا
تموت القوى أن لم تكن في تبايُنٍ
ويَحَيْين ما دام التبايُنُ باقيا
فلا تعجبَنْ من أننا في تنافر
ألم تر في الكون التنافر ساريا
وهَبْهم جَفَوْك اليوم بُخْلاً بوُدّهم
ألم تَغْنَ عنهم أن ملكت القوافيا
فطِرْ في سموات القريض مرفرفا
وأطلع لنا فيها النجوم الدراريا
فأنت امرؤٌ تُعطي القوافيَ حقّها
فتبدو وأن أرخصتهن غواليا
يجيبك عفواً أن أمرت شَرودها
وتأتيك طوعاً أن دعوت العواصيا
فقال وقد ألْقَي على الصدر كفّه
فشدّ بها قلباً من الوجد هافيا
لقد جئتني بالقول رَطباً ويابساً
فداويت لي سُقماً وهيّجت ثانيا
فإني وأن أبدي لي القوم جفوةً
أُمَنّي لهم مما أحبّ الأمانيا
وما أنا عن قومي غنيّاً وأن أكن
أطاول في العزّ الجبال الرواسيا
إذا ناب قومي حادث الدهر نابني
وأن كنت عنهم نازح الدار نائيا
وما ينفع الشعر الذي أنا قائل
إذا لم أكن للقوم في النفع ساعيا
ولست على شعري أروم مَثوبةً
ولكنّ نُصح القوم جُلّ مراميا
وما الشعر إلاّ أن يكون نصيحة
تنشِّط كسلاناً وتُنهض ثاويا
وليس سَرِيّ القوم من كان شاعراً
ولكن سري القوم من كان هاديا
فعلّمهم كيف التقدم في العلا
ومن أيّ طُرْق يبتغون المعاليا
وأبْلَى جديد الغَيّ منهم برُشده
وجدّد رشداً عندهم كان باليا
وسافر عنهم رائداً ِخصب نفعهم
يَشق الطَوامي أو يَجوب المواميا
وأن أفسدتهم خُطّة قام مُصلِحاً
وأن لَدَغَتْهمِ فتنةٌ قام راقيا