لولا رجائي ثانياً للقائهِ
ما كنتُ أحيا ساعةً في نائه
سَكَنٌ له أبداً فؤادي مَسْكَنٌ
ما مَلَّ يوماً فيه طُولَ ثوائه
ريمٌ إذا رِيم السُّلُوّ لمُغْرَمٍ
عن حُبّه أعيا عِلاجُ عَيائه
ومُقَرطَقٌ لو مَدَّ حلقةَ صُدْغهِ
من فَتْلها تَمّتْ لعَقْدِ قَبائه
غُصُنٌ إذا ما مادَ في مَيدانهِ
أسدٌ إذا ما هاجَ في هَيْجائه
في جَفْن ناظِره وجفْنِ حُسامهِ
سَيْفانِ مختلفانِ في أنحائه
فبواحدٍ يَسطو على أحبابهِ
وبواحِد يَسْطو على أعدائه
قَمَرٌ غدا روحي وراح مُفارِقي
والجسمُ بالرّوح امتساكُ بقائه
فَتَعَجُّبي أن عشتُ بعد فِراقه
وتَحسُّري أن متُّ قبل لِقائه
مالي وما للدهر ما من مطلبٍ
أُدنيه ألاّ لَجَّ في إقصائه
تُضحى وتُمسي حادثاتُ خُطوبِه
تَتْرى تُمِلُّ المرءَ من حَوبائه
كَدَرَتْ فليسَ يَبينُ آخرُ أمرِها
وظُهورُ قَعْرِ الماء عند صفائه
إلاّ رئيس الدّين إن أبدَى لنا
عن وجْههِ أو سيفِه أو رائه
فليكْشفَنَّ عنِ الورى غَمّاءها
أيُّ الثّلاثةِ كان من أضوائه
إنْ حَطّ ثِنْىَ لِثامِه أو هَزَّ حَدْ
دَ حُسامِهِ أو شَبَّ نارَ ذكائه
مَلِكٌ إذا عَمَّ البلاد بعدْلِه
عَمَر البلادَ بِبَأْسِه وسَخائه
إنَّ اللّياليَ أصبحَتْ بأساؤها
مَغْمورةً للخَلْقِِ في نَعْمائه
ما إن يُصيب الحُرَّ منها نازِلٌ
إلاّ ومنه نائلٌ بإزائه
ففَدى العُداةُ مِنَ الحِمامِ ورَيْبِه
وهمُ وإن رغمِوا أقلُّ فِدائه
مَنْ ليس يَثْنى طَبْعَه عن حِلْمه
سَعْيُ العِدا بَغياً على عَليْائه
أفليس أَشقَى النّاسِ مَن جاز المدى
في البَغْي حتّى خاب من إبقائه
يَغْترُّ حاسِدُهُ بأنْ أملَى له
والبأسُ كُلُّ البأسِ في إملائه
كم راقدٍ مَلَّ الجفونَ جَهالةً
ما دام ليلُ الشّكِ في ظَلْمائه
لا بُدَّ أنْ سَيعودُ صُبْحٌ ساطعٌ
فَيهُبُّ فيه المَرءُ من إغفائه
يومٌ يجازَى المَرءُ فيه وواجِبٌ
أن يُذكَرَ الإنسانُ يومَ جَزائه
هو عَفْوُه اعتَصِموا بحَبْلِ ذمامه
وعِقابُه اجتَنِبوا حُلولَ فَنائه
يُغْني ويُفْني فاطلُبوا إغناءه
وتَعوَّذوا باللهِ من إفنائه
سبب النجاة ولاؤه ورجاءه
فتمسكوا بولائه ورجائه
قُلْ للعُداةِ انْوُوا له ما شئِتُمُ
فلَكَم يقيهِ اللهُِ من إسوائه
أفبَعْدَ هذا للخلائقِ ريبة
في أنَّ سِرَّ اللهِ في إعلائه
هيهات إنَّ اللهَ يأبى نُوُره
أن تَعمَلَ الأفواهُ في إطفائه
اليومَ عاد السّعْدُ بعد مَغيبهِ
عنّا وبان الرشْدُ بعدَ خفَائه
وسعَى لهذا الملْكِ في تَجْديدِه
من بَعْدِ سَعْيِ الدَّهرِ في إبلائه
ذو غُرةٍ كالبَدْرِ عند طُلوعِه
بَهَر الورى بسَناه أو بسَنائه
لكنْ إذا نظَروا إليه تَبَيّنوا
أنْ ليس بَدْرُ الأفْقِ من نُظرائه
فكمَالُه أنْ ساس فوق كَمالِه
وعَلاؤه أنْ قاس فوق عَلائه
مَلِكٌ إشارةُ كَفّهِ أو طَرْفهِ
لنعيمِ شَطْرٍ للورى وشَقائه
ربُّ الكتابةِ والكتيبةِ صاحبٌ
تَسْرِي جيوشُ النّصرِ تحت لوائه
وإذا رأيت السّودَ من راياتهِم
سارتْ أمام البيضِ من آرائه
فتَرقّبِ الفَتْحَ القريبَ لمن غدا
بين الملوكِ وأنت من وزرائه
يا طالعاً سَعْدَ السّعودِ لناظري
من بَعدِ طُولِ سُهادِه وبكائه
لو لم أُرِدْ بصَري لِرؤيةِ وجْههِ
ما كنتُ ذا حرْصٍ على استِبقائه
لِمحَبَّتي نَظرِي إليك صيانَتي
بَصَرِي وإمساكي عنِ استبكائه
ما كنتُ أصنْعُ لو طلعْتَ بمُقلتي
والدَّمعُ أطفأ نارَها في مائه
يا كعبةً سارتْ إلى حُجاجِها
وكَفتْ مَسيرَ النَّضْوِ في بَيدائه
وأهلَّ زائرُها برَجْع دُعائه
من قبلِ جادِيهم برَجْع حُدائه
خذْها كعِقْدِ الدُّرِّ ثنى لثامه
والكوكب الدريِّ في لألائه
فلأ شكُرنَّ على دُنُوِّ الدراما
توليه من حظٍ ومن إسنانه
شُكْري أميرَ المؤمنين على النّوى
لمّا سقَى أرضي حَبِيُّ حِبائه
قرَّطتْهُ أنا والمهامِهُ بيننا
دُرّى وَقرَّطني كذا بعَطائه
وأجَلُّ من تقليدِه لنوالِه
ما كان من تقليدِه لقضائه
وقد استَنبْتُ ابني فوَّقع مُمضياً
والفَخْرُ كُلُّ الفخْرِ في إمضائه
فمَنِ المُخالِفُ للخليفةِ أمرَه
في عَوْدهِ يوما وفي إبدائه
ووُرودُ أمرٍ جاء من رَبِّ الوَرى
كوُرودِ أمرٍ جاء من خُلفائه
فأعدْ لنا نظرا فهمُك صائبٌ
لا يطمَعُ الجُهّالُ في إخطائه
وانظُرْ إلى استحسانِ واستقباح ما
سيُقالُ بعْدَ المرءِ من أنبائه
فتعّلمَ الأدبَ السَّموألُومن صدى
جبَلٍ دعا فغدا مُجيبَ دُعائه
يا صاحباً ما شام برقَكَ آمِلٌ
إلا وجاد ثَراه سُحْبُ ثَرائهِ
لم أرْجُ نُجْحاً عاجِلاً في مَطلَبٍ
إلا وبِشْرُك كان من بُشَرائه
لكنّ دهراً رائعاتُ صُروفُه
كَرَّتْ بشِدَّتهِ بُعَيدَ رخائه
كان اعتناؤك بي يَراه ويَستحي
وأراه قد ألقَى لثامَ حَيائه
فلقد مَلِلتُ اليومَ من أكداره ال
مُلْقاةِ في شُرْبي ومن أقذائه
فأعنْ على هَربي إذن من منزلٍ
فَنِيَ اصطبارِي من طويل بَلائه
بِمُهْملَجٍ كالماء عند مَسيره
لكنّه كالبَرْقِ في تَعْدائه
فَرسٌ إذا ملكَتْه كَفّي لم أُرعْ
من بُعْدِ مُنتجَعٍ ومن عُدَوائه
وعليه إنْ أك في صباحِيَ فارساً
أَو فارساً إن سرتُ قبلَ مَسائه
وبسابقٍ لي منكَ وَعْدٌ سابقٌ
فتُرى إلامَ تَلِجُّ في إبطائه
وأبو الفُتوح وليس يُنْكِرُ ضامِنٌ
فَبقيتُ في وطَني أسيرَ جَفائه
فعسى أرى طِرْفي بطَرْفي مَرّةً
يُزْهى أمام الخيلِ من خُيلائه
وعلى السِفارِ عسى أصيرُ بظَهْرِه
مُستظهراً فأهزَّ عِطْفَ التّائه
مَنعتْ موانعُ أنْ أمُرَّ لِطيَّتي
فبقيِتُ في وطني أسيرَ جَفائه
قَيّدْتني وَسَطَ الدّيار ومَن نَبَتْ
دارٌ به فَنجاتُه بنَجائه
حتّى لجْأتُ إلى ربيبِ رئاسةٍ
إفضالُه وقْفٌ على فُضَلائه
وشَكوتُ للزّمنِ المُسىء حوادِثاً
وفؤادِيَ العاني أسيرُ عَنائه
فأزال أقيادَ الخطوبِ ورَدَّني
مُتقيّداً بالغُرِّ من آلائه
فبقيتُ لا أدري أمن أُسَرائهِ
أصبحتُ بين النّاس أم طُلَقائه
عاش الرّجاءُ لكلِّ قَلْبٍ آيسٍ
لمَا قَدِمْتَ وكنتَ من أبنائه
وكذاك دينُ اللهِ زاد جلالةً
لمّا رآك وأنت من رُؤسائه
فَالْحَقْ بحُسْنِ الرّأى مُهجةَ خادمٍ
لم يَبق للحدثانِ غيرُ ذَمائه
واسَتْبقِ فيك ثناءه وَولاءه
فَيقِلُّ مثْلُ ثنائه وَولائه
لا زلتَ مثْلَ النّجمِ تَطلُعُ للورى
في عُمْرهِ طولاً وفي استِعلائه
في ظلّ مُلْكٍ كاملٍ نامٍ معاً
يَجْلو ظلامَ الظّلمِ بَثُّ ضيائه
فكَما لهُ للبدْرِ إلاّ أنّه
كهلالِ أوَّلِ ليلةٍ لنَمائه