طرقت بليل من سناها مقمر

التفعيلة : البحر الكامل

طرَقتْ بليلٍ من سَناها مُقْمِر

فأضاءَ مُعتَلَجُ الكثيبِ الأعفَرِ

قَمرٌ تَدّرعَ جُنْحَ ليلٍ سارياً

لكنْ سوى طَرْفي به لم يَشْعُر

خطَرتْ ببَطْنِ الواديَيْنِ تَزورُنا

عَجَباً ونحن ببالِها لم نَخْطُر

بيضاءُ تَبسِمُ عن أقاحي روضةٍ

جُلِيَتْ وتكْسِرُ عن لواحظِ جُؤْذَر

هجَرتْ وَوكَّل ناظري بخيالها

ذِكْري لها فكأنّها لم تَهْجُر

أَهْلاً بزائرةٍ أتتْ لو لم تكُنْ

من عندِ فكرٍ للمَزارِ مُزَوِّر

واصَلْتُها والبِيضُ لم تَقطُرْ دماً

مِن دُونِها والسُّمْرُ لم تَتَكَسّر

وأجبْتُ داعيةَ الصَّبابةِ نَحْوَها

فلَقِيتُ عاديةَ الخميسِ المُصْحِر

ولَربّما آثرتُ ما لم أَلقَه

حتّى رَكِبْتُ إليه ما لم أُوثِر

فدَعِ الملامَ فقد نَزَعْتُ عن الصِّبا

وصحَوْتُ إلاّ طَرْبةَ المُتذَكِّر

أَ أُخيَّ مارَسْتُ الرّجالَ فلم أَجِدْ

عند الشّدائدِ صاحِباً لم يَغْدِر

إنّ الصّنائعَ والأياديَ في الورَى

غَرْسُ المودّةِ والقِلَى فتدَبّر

وإذا اصطنَعْتَ حسيبَ قومٍ فارْجُه

وإذا اصطَنَعْتَ دَنِيءَ قومٍ فاحْذَر

قُلْ للجميلِ وما سَمِعْتُ بمثْلِه

مظلومَ قومٍ بينَهمْ لم يُنْصَر

ما لِي أراك وقد خُصِصْتَ منَ الورى

في حالتَيْكَ معاً بظلْمٍ مُنْكَر

فإذا طُلِبْتَ منَ امرئٍ لم يَصْطَنعْ

وإذا اصطَنَعْتَ معَ امرئٍ لم يَشْكُر

هلاّ شكَوْتَ إلى الوزيرِ وعَدْلِه

مِمّا لَقيتَ منَ العديدِ الأَكثَر

فهو الّذي يَرعاكَ غيرَ مُضيِّعٍ

وهو الذي يُوليكَ غيرَ مُكدِّر

وهو المُجيرُ لمنْ يلوذُ بظِلِّه

من كُلِّ عَدْوةِ جائرٍ مُستَكْبِر

مَلِكٌ أنامَ من الأنامِ عُيونَهم

أَمْناً وقال لِعَيْنِه لَهُمُ اسْهَري

ووزيرُ صِدْقٍ جازَ في دَرَج العُلا

غاياتِ كُّلِ مُملَّكٍ ومُؤزَّر

وافَى به العصرُ الأخيرُ وقَصّرَتْ

عن شَأْوِه وزراءُ كُلِّ الأَعصُر

فكأنّما كانوا فوارسَ حَلْبةٍ

ركَضوا فكان السّبْقُ للمُتأخِّر

لا غْروَ لم تَزَلِ الوِزارةُ قَبلَهُ

تَستَنُّ بينَ مُقَصِّرٍ أو مُقْصِر

من مُسْرفٍ في البخلِ غيرِ مُوفَّقٍ

أو مُوحِشٍ بالمَطْلِ غيرِ مُنَكَّر

أو ذاهبٍ في الهَزْلِ أبعدَ مَذْهبٍ

أو حائرٍ في الجهلِ شَرَّ تَحَيُّر

حتّى أُتيحَ وللأمورِ عواقبٌ

إقبالُ مَنْصورِ اللِواء مُظفّر

فتَحلَّتِ العلْيا بأَشرفِ حِلْيةٍ

وتَجلَّتِ الدُّنيا بأَحسنِ مَنْظَر

أنظامَ دينِ اللهِ أيّةُ رُتْبةٍ

أَدركْتَ غايتَها وإنْ لم تفخَر

هُمْ قَصّروا عنها ولم يَتواضَعُوا

وحَظِيتَ أنتَ بها ولم تَتكبَّر

وبَسطْتَ كفّك بالنّوالِ فطَبّقتْ

بالجودِ تَطبيقَ الغمامِ المُمْطِر

وكَسبْتَ حُسْنَ الذّكرِ في الدُّنيا التي

تَفْنَى ومَن يَفعَلْ كفِعْلك يُذْكَر

قد أَنقذَتْ كفّاك شِلْوَ فريسةٍ

من بعدِ ما عَلِقتْ بنابِ غَضنْفَر

فرجَعْتَ بالمُلْكِ المُطلّقِ أهلَهُ

وأقمتَ من خَدِّ العَدّوّ الأصعَر

حتّى كأنّك أَردَشِيرُ الفُرسِ إذْ

وافَى فقَصَّ طوائفَ الإسكَنْدر

لم تَدّعِ الأقوامُ دُونَك أنّهم

وصَلوا إلى الفَتْحِ المُتاحِ الأَكْبَر

وأمامَ جيشِك سار ذِكْرُك سابقاً

نحوَ العُداةِ يَفُضُّ جَمْعَ العَسكَر

والشّمسُ قبل طُلوعِها من أُفْقِها

تَجلو الدُّجنّةَ بالصَّباح المُسفِر

حضَرتْ مَيامِنُك التي شَملَتْهمُ

بسُعودِها فكفَتْ وإنْ لم تَحضُر

لم يَعْصِ أمرَك رأسُ أغلبَ أبيضٍ

إلاّ تَعّوضَ صدْرَ أعجَفَ أَسمَر

ما عاد من حَربٍ قَناك وقد سقَتْ

أطرافُها إلاّ كأيْكٍ مُثْمِر

يَنْآدُ من حَمْلِ الرّؤوسِ المُجتنَى

ويَرِفُّ من وَرْدِ النّجيعِ الأحمْر

عجَباً لأَنْ سُمِّينَ خَمْسَ أناملٍ

نشأَتْ بكفِّكَ وهْي خَمسةُ أَبحُر

يتَعرَّضُ العافِي للَثْمِ ظُهورها

حتّى يَغوصَ على نَفيسِ الجَوهر

وتكادُ أقلامٌ تمَسّ بطونَها

تَلتَفُّ بالوَرِقِ المُعادِ الأَخضَر

قُلْ للّذي فَضَلَ الأنامَ فواجبٌ

عَطْفُ الكبيرِ على الوَلِيّ الأصغَر

أنا كالسُّها خافي المكانِ فضُمَّني

يا صاح منكَ إلى ابْنِ نَعشٍ أُبْصَر

كم ذا التّطَوُّفُ في البلادِ مُضيَّعاً

حَيرانَ يَقرُبُ مَوْردى من مَصْدَري

وأخوضُ في لُجَجِ البحار معَ الظّما

فأعودُ منها ذا أديمٍ أَغْبَر

حالٌ من الحظِّ المُضاعِ تَغَيَّرُ الدْ

دُنْيا مِراراً وهْي لم تَتغَيّر

ما بينَ آمرِ دولةٍ لم يُمتثَلْ

منه ومالِكِ طاعةٍ لم يأْمُر

وقد انتَهيْتُ إلى فِنائك فاسْقني

من سَيْبِ كَفِّكَ بالذَّنوبِ الأوفر

فَمُنايَ أن تَحْيا حياةَ مُنعَّمٍ

جَذِلٍ وأن تَبْقَى بَقَاءَ معمَّر

وتَعيشُ للمُلْكِ الّذي أَحْيَيْتَهُ

وتَدومُ فيه كمُقْلةٍ في مَحْجَر


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

ذكر المعسكر صاحبي ذكرا

المنشور التالي

رأيت الطريق إلى الوصل وعرا

اقرأ أيضاً