وجَد الصَّبا للعاشِقينَ رسولا
فشفَى بإهداء السَّلامِ عليلا
قُلْ للأحبّةِ إنّني مُذْ غِبتُمُ
لم أَلْقَ وَجْهاً للسُّلُوِّ جميلا
وخلَعْتُ أيّامَ الوِصالِ قصيرةً
ولَبِستُ ليلاً للفراقِ طويلا
وأبَى اللَّيالي ما ذمَمْتُ أخِيرَها
إلاّ ذكَرْتُ بها العُهودَ الأُولى
سَرق الزّمانُ من الأوائلِ فانقضَتْ
بدْراً وزادَتْها الأواخِرُ طُولا
أنجومَ لَيْلي أينَ بَدْري طالعاً
أوَ منْه ما تَتعلّمِينَ أُفولا
ليت الَّذي دَلَّ البُدورَ على النَّوى
أَمسَى عليه للنُّجومِ دَليلا
قالوا عَشِقْتَ وذاك شَيءٌ إنّما
قد كنتُ أَخشَى أن يُقالَ فقِيلا
يَشْكو إليّ منَ الصَّبابةِ صاحِبي
وأبَى غريقٌ أن يُغيثَ بَليلا
إنّي لأُطلِعُ في الجُفونِ سَحائباً
وأُجِنُّ في طَيَّ الضُّلوع مُحولا
فيَظلُّ قلبي للهمومِ مَنازلاً
ويَبيتُ طَرْفي للنُّجومِ نَزيلا
مُتملْمِلاً أَرْمي بمُقلْةِ ساخِطٍ
فلَكاً على حَرْبِ النُّهَى مَجْبولا
في ليلةٍ أَسَر الظّلامُ نُجومَها
فثَوتْ تَلوحُ على الدُّجَى إكْليلا
وتَناهَبتْ خَيلُ الوزيرِ صبَاحَها
فقَسمْنَهُ غُرَراً لها وحُجولا
جُرْداً إذا حَثَّ الأعِنّةَ للوغَى
تَركَتْ دِيارَ المارِقينَ طُلولا
يَرْمي بها الأعداءَ لَيْثُ كتيبةٍ
يَجْتابُ من شَوْكِ الأسِنِّةِ غِيلا
مَلِكٌ غدا للهِ سابغَ عَدْله
ظِلاًّ يُمَدُّ على العِبادِ ظَليلا
فإذا سَخا مطَر الأكُفَّ مواهباً
وإذا سَطا مطَر الرِّقابَ نُصولا
ومُحجَّبٌ تَغْدو الملوكُ ببابِه
حتّى تُجابَ إلى اللّقاء مُثولا
فإذا بدا رفَلوا إليه على الثَّرى
من بَعْدِ ما جَعلوا الخدودَ ذُيولا
وتَخالُ طُولَ الدّهْرِ في عَرصاتهِ
غَيْثاً عليها بالوفودِ هُطولا
تُزْجَى إليه العِيسُ ما وَسِعَ الفَلا
قُوداً يُبارِينَ الرِّياحَ ذَميلا
حتّى تُناخَ بحيثُ يُنتجَعُ النّدى
ويَبِيتُ عَقْدُ رِحالها مَحْلولا
يَغْدونَ أرسالاً إليه وإنّما
يَجِدونَ جُوداً للفَخارِ رَسيلا
ومُعوِّدٌ سَبْقَ السُّؤالِ برفْدِه
حتّى تَعذَّر أن يُرى مَسْؤولا
لا عَيبَ فيه غيرَ أنَّ يَمينَهُ
تُبْقي بأغصانِ الرِّماح ذُبولا
حَيّاكَ مَن تُحْيي بسَيْفِك دِينَه
مهما غدا خَطْبُ الشِّقاقِ جَليلا
وَسقاكَ مَن يَسقي بكَفِّكَ خَلْقَه
دِيَماً إذا انْهَلَّ الغمامُ هُمولا
وفَداكَ مَن يَفْدي برِفْدِك نَفْسَه
إذْ لا خليلَ بها يُجيرُ خَليلا
مِن ماجدٍ صَعْبِ الإباء مُناجِدٍ
حَلُمَ الزّمانُ به وكان جَهولا
ومضَتْ صَرائمهُ فكُنَّ صَوارماً
وصفَتْ شمائلُه فكُنَّ شَمولا
وسَطا فما ينفَكُّ طَرْفُ عُداتِه
بظُباهُ أو بخَيالها مَكْحولا
ولكَمْ رأوْا في النّومِ جَيشَك ليلةً
صَدَقوا قُبَيلَ صَباحِها التَّأْويلا
لم يَشْعروا حتّى طرَقْتَ كأنّما
حَوَّلْتَ في الحَدَقِ الخَيال خُيولا
يَبْغي الوُثوبَ على الجيادِ خَفيفُهمْ
فيَرى له وَطْأً عليهِ ثَقيلا
فيَقِل ظَهْراً بالحوافِرِ مُنْعَلاً
ويُديرُ طَرْفاً بالسِّنانِ كحيلا
إن يَلْتَمِسْ يدَهُ لتَلْحَق عَيْنَه
يَر بَعْضَه عن بَعْضِه مَشْغولا
وكأنّ قَرْعَ شِفاهِهمْ بنِعالِها
حتّى تُعلِّمَهمْ لها التَّقْبيلا
مَن لم يَضَعْ فيما يَطأْنَ جَبينَه
غادرْنَه مِمّنْ يَطأْن قَتيلا
ما يَعثُرُ الباغي بحَرْبِك عَثْرةً
فيرَى من الموتِ الزُّؤامِ مُقيلا
إنْ حادَ بَلّدهُ الجِيادُ فلم يَفُتْ
أو ذادَ غافَصَه الرَّدى فاغْتِيلا
فهوَى انْطِلاقُ يَمينِه وجَوادُه
مُتقدِّماً للضّرْبِ أو مَفْلولا
فتَخالُها بحُجولها مشكولةً
وتَظُنُّه بحُسامِه مَغْلولا
أنَصيرَ دينِ اللهِ والمَلكِ الّذي
ما شاهدوا لكَ في المُلوكِ عَديلا
درَسوا لنا سِيَرَ الكرامِ وإنّما
كانَ النّدى حتّى فَعْلتَ مَقولا
ففدَتْكَ أملاكٌ تُريكَ فَعالُهمْ
حسَباً على سِمَنِ الجسومِ هَزيلا
نَفَرٌ أُعايِنُهمْ وأَمسَحُ ناظري
مِمّا أَظُنُّ شُخوصَهم تَنْبيلا
يا أَيُّها المَولَى الأجلُّ دُعاءَ مَن
أَضحَى يُوجِّهُ نَحْوكَ التَّأْميلا
ما للمَصالحِ يَنتظِرْنَ مَواعِداً
سَبقتْ ولم تكُ للعفاة مَطولا
وعِمارةُ الدُّولابِ عُوِّقَ أمْرُها
عجَباً ورِفْدُك لم يَزَلْ مَبْذولا
صِلةً لوَجْهِ اللهِ فيه فما لَنا
لم نَلْقَ بَعْدُ لِما وصَلْتَ وُصولا
وإذا جلَوْتَ من المَواهبِ غادةً
ألفَيْتَ أحسَنَ حَلْيِها التَّعْجِيلا
هي غُرَّةٌ في وَجْهِ عَسْكَرِ مُكْرَمٍ
فُقِدَتْ فشانَتْ حُسْنَه المَقْبولا
جَنَتِ السُّيولُ عليه حتّى أنّه
سفَحتْ لعُطْلتِه العُيونُ سُيولا
كانتْ له قدَمٌ تُريحُ بسَعْيِها
أقدامَ قَومٍ بُكْرَةً وأَصيلا
وبُكاءُ عَيْنٍ كان منه لأهلِها
ضَحِكٌ فأصبحَ رَنّةً وعَويلا
ولأنتَ أكرمُ أن تُخَيِّبَ مَعشَراً
قد حاولوا أن يَبْلُغوا بكَ سُولا
بَلْ لو رَجَوْكَ بأن تُديرَ مكانَه
من عَسجدٍ فلَكاً لكان قَليلا
فابْعَثْ بما تُولي تَكُنْ أُهُباتُها
مَأْخوذةً أن أَلقَوْا الشّاقُولا
وتَهنَّ بالعيدِ السّعيدِ ولَقِّه
منَ بِشْرِك التّرحيبَ والتّأْهيلا
واجْعَلْ عِداكَ من الأضاحي الّتي
يَدْمَى لَها خَدُّ الحسامِ صَقيلا
في كلِّ يومٍ ذَرَّ شارِقُه تَرَى
فَتْحاً بآخَرَ غيرِه مَوْصولا
وتَخالُ سُكّانَ الحُصونِ تُطيعُه
قَطْراً يَزِلُّ من الغمامِ هُمولا
هي دَولةٌ أحيَيْتَها فاسلَمْ لها
حتّى تَنالَ بها المُنَى وتُنيلا
يا مَنْ عَلِقْتُ بذَيْلِ خِدْمتِه الّتي
ألقَتْ جَلالَتُها عليَّ قَبولا
جَدِّدْ كَرامتيَ الّتي عَوَّدْتَني
بالكُتْبِ تُودَعُ بِرَّكَ المَأمولا
فلوِ استطَعْتُ لمَا التفَتُّ بنَظْرةٍ
حتّى أَزورَ جَنابَك المَأْهولا
ورَكِبْتُ أجنحةَ الرّياحِ حَثيثةً
أَبْغي بِهنَّ إلى ذُراكَ رَحيلا
ولئن أقَمْتُ فإنّ مَدْحي سائرٌ
تَجِدُ الرُّواةُ به إليك سَبيلا
فأَعِدْ إلينا دامَ مُلْكُكَ نَظْرةً
للفَضْلِ من سُوقِ الكَسادِ مُديلا
لم يَشْدُدِ الفَلَكُ المُدارُ نِطاقَه
إلاّ ليَسْمعَ طائعاً وتَقولا