جَلا مُحَيّاكَ عَن أَبصارِنا الرَّمَدا
وقرّبَ اللَّه مِن مَرآكَ ما بَعُدَا
وجاءَ يَحمِلُ مِنكَ الطِّرْفُ أربعَةً
البدرَ والطودَ والدّأماءَ والأَسَدا
تَكادُ تَبذُلُ عَينُ المَرءِ أسْوَدَها
في نظرَةٍ منك تنفي الهمَّ والكَمَدا
كُلٌّ مسرٌّ بِوَجهٍ في أَسِرَّتِهِ
نورٌ إذا ما رماهَ أكبرٌ سَجَدا
ظُباكَ بالردّ عن دين الهُدى انفرَدَتْ
وأنتَ ما زلتَ بالإنعامِ مُنْفَرِدا
ليثٌ تَخالُ سُيوفاً في بَراثنِهِ
وتحسبُ الزّغْفَ منه الشَّعْرَ واللبدا
كَأَنَّ أجفانَهُ في الحَربِ قَد وَرَدَت
مَعَ الدِّماءِ منَ الهِندِيِّ ما وَرَدا
لِشِدَّةِ البَأسِ في يُمناهُ ضَربَتُهُ
إِن أُسكِرَ السَيفُ مِنها بِالنَجيعِ شَدا
وَلِلرُّدَينِيِّ يَوْمَ الطّعنِ عالِيَةٌ
تَلوكُ بَينَ حَشا الضِّرغامَةِ الكَبِدا
فالدِّينُ معتَمدٌ مِنهُ على مَلكٍ
يُمسي ويُضحي على الرّحمنِ مُعتَمِدا
كَأنّ شُهبَ رجومٍ في أَسِنَّتِهِ
يُرْدي بِها مِن طُغاةِ الكفرِ مَن وَرَدا
وَكُلَّما عَقَدَ الرّاياتِ مُعتَزِماً
حَلّتْ أَياديهِ مِن آرائِهِ عُقَدا
شَهمٌ صَبورٌ إذا ما القرمُ زاحَمهُ
مُزاحماً في كِفاحٍ ظَنّهُ أُحُدا
وقُرَّحٍ بكُماةِ الرّوعِ مُقْدِمَةٍ
كَأنَّهُنَّ سَعَالٍ تحمِلُ الأُسُدا
إذا تَبِينُ سماءٌ عن عجاجَتِها
كَانَت لَهُم سمهَرِيَّاتُ القَنا عَمَدا
مِن كُلِّ ذِمْرٍ منَ الفولاذِ غاصَ به
يُجَمّدُ القَرُّ مِنهُ فَوقَهُ زَبَدا
يَسطُو بِعَضبٍ إِذا ما هَزّ مَضْرِبَهُ
يومَ الضّرابِ لعيني ساهِدٍ رَقَدا
لا يشربُ الرّوحَ من جُثمانِ ذي زَردٍ
حَتَّى يَرى الحدّ مِنهُ يَأكلُ الزّرَدا
أسَلْتَ سَيْلَ نجيعٍ من عِداكَ بهم
في الأرضِ منهُم فَغادَرت الثرى عَمِدا
يا مَنْ عليه مَدُار المَكرُماتِ ومَنْ
بِعَدْلِهِ كُلُّ مُضطَرٍّ له سُنِدا
طارَتْ إِلَيكَ بَنُو الآمالِ وَانتَشَقَتْ
مِن ذِكرِكَ الندَّ واستَشفَينَ مِنكَ يَدا
فَما انحرَفْتَ بِراجٍ عن بُلوغِ مُنىً
ولا تركتَ لصادٍ بالعطاءِ صدا
لا نأيَ لي بِتَنائي السّيرِ عن بَلَدي
فقد رضيتُ بحمصٍ بَعْدَهُ بلَدا
بُدِّلتُ مِن مَعشَرِ الأَدْنَين مَعشَرها
لا فَرَّقَ اللَّهُ فيما بَينَنا أَبَدا
وكَم حَوى التُّرْبُ دوني من ذَوي رَحِمي
وما مَقَلْتُ لِبُعدي منهمُ أحدا
ولم يُسِرْنيَ من مثواكَ مَوْتُ أبي
وَقَد يُقَلقِلُ مَوْتُ الوالِدِ الوَلَدا
وما سَدَدتَ سَبيلي عن لِقائِهِمُ
لَكِنْ جَعَلتَ صِفادي عنهُمُ الصّفَدا
وحسنَ برٍّ إذا فاضَتْ حلاوَتهُ
على فؤاديَ من حَرِّ الأَسى بَرَدا