ما أغمد العضب حتى جرد الذكر

التفعيلة : البحر البسيط

ما أُغْمِدَ العَضْبُ حتّى جُرِّدَ الذكرُ

ولا اختفَى قَمَرٌ حتى بدا قَمَرُ

قد ماتَ يحيَى فماتَ الناسُ كُلّهُمُ

حتى إذا ما عليٌّ جاءهم نُشِروا

إنْ يُبْعَثُوا بسُرورٍ مِنْ تملُّكهِ

فَمنْ مَنيّة يحيَى بالأسَى قُبِروا

أَوفى عليٌّ فَسِنُّ المَلكِ ضاحِكَةٌ

وعينُهُ من أبيه دَمْعُها هَمِرُ

يا يَومَ وَلَّى عنِ الدُّنيا بِهِ طُمِسَتْ

بِظُلمَةِ الرزءِ مِن أَنواركَ الغُررَ

ومادَتِ الأَرضُ من فُقدانِها جَبلاً

ينابِعُ الجودِ من سفحَيهِ تَنفَجِرُ

لَم تُغْنِ عَنهُ غِياضٌ مِن قَناً وظُبىً

حمرُ الحماليق فيها أُسْدُها الهُصُرُ

يَرَونَ زُرْقَ ذِئابٍ ما ثَعالِبها

إلَّا عَوامِلُ في أيمانها سُمُرُ

ويَترُكونَ إِذا جَيشَا الوَغى انتَظَما

سَلخاً كَساه حديداً حَيّةٌ ذَكرُ

وديعةُ السّيلِ في البطحاءِ غَادرها

تقري الرِّماحِ بها الآصالُ والبكرُ

لَم يُغْنِيَا عَنهُ لا عِزٌّ يُدِلُّ بِهِ

مَن كانَ بِالكِبرِ في عِرنِينِهِ أَشَرُ

ولا مهابَةُ محجوبٍ تَبَرَّجَها

كَأنّهُ عِندَ أبصارِ الورى خَفَرُ

شُقَّت جُيوبُ المعالي بالأسى وبكَتْ

في الخافقَينِ عليه الأنجمُ الزُّهرُ

إِذِ السَّماءُ بِصَوتِ الرَّعدِ صَرْختُها

يكادُ منها فؤادُ الأرضِ يَنفَطِرُ

والجَوُّ مُتَّقِدُ الأحشاءِ مُكتَئِبٌ

كَأَنَّما البرقُ فيها لِلأَسى سُعُرُ

وقَلَّ لابنِ تَميمٍ حُزْنُ مَأتَمِها

فَكلّ حُزنٍ عظيمٍ فيه مُحتَقَرُ

قامَ الدّليلُ ويَحيَى لا حياةَ لهُ

إِنَّ المنِيَّةَ لا تُبقي ولا تَذرُ

أمسى دفيناً ولم تُدْفَنْ مفاخرُهُ

كالمِسْكِ يُطوى ونشْرٌ مِنهُ يَنتَشرُ

قد كنتُ أحسبُ أن أُعطَى مُنايَ به

وأن يطولَ على عمري لهُ عمرُ

وها أنا اليومَ أرثيهِ وكنتُ لهُ

أُنَقّحُ المدحَ والدنيا لها غِيَرُ

يا وَيْحَ طارِقِ لَيلٍ يَستَقِلُّ بِهِ

سامي التليلِ براهُ الأيْنُ والضُّمُرُ

في سرجه من طُيورِ الخيلِ مُبتْدِرٌ

وما جناحاهُ إلّا العُنقُ والخَصِرُ

يطوي الضَّميرَ على سِرٍّ يُكِنُّ به

بُشْرَى ونَعْيٍ حَيارَى منهما البَشَرُ

لَولا حَديثُ عَلِيٍّ قلتُ من أسَفٍ

بِفيكَ يا مَن نَعى يَحيَى لَنا العَفَرُ

إِن هُدَّ طَوْدٌ فذا طَوْدٌ يُعَادِلُهُ

ظِلٌّ تُؤَمَّنُ في أفيائِهِ الجدُرُ

أَو غيضَ بَحرٌ فَذا بَحرٌ بِمَوضِعِهِ

لِوارِديهِ نَميرٌ ماؤُهُ خَصِرُ

يا واحِداً جُمِعَتْ فيهِ الكرامُ ومَنْ

بِسَيفه مِلَّةٌ التَّوحيدِ تَنتَصِرُ

أوجَفْتَ طِرْفَكَ والإِيجافُ عادتُهُ

والصُّبحُ مُحتَجِبٌ واللَّيلُ مُعتَكِرُ

لَمّا سَرَيتَ بِجَيشٍ كُنتَ جُملَتَهُ

وما رَفيقاكَ إلّا النَّصرُ والظَّفَرُ

طوى له اللَّه سَهباً بِتَّ قاطِعَهُ

كأنّما بُعْدُهُ بالقُرْبِ يُخْتَصِرُ

وَقَصَّرَ السَّعدُ لَيلاً فالتَقى عَجلاً

مِنهُ العِشاءُ على كَفَّيكَ والسَّحَرُ

وفي ضُلوعِكَ قَلبٌ حَشوُهُ هِمَمٌ

وبَينَ عَينَيكَ عَزمٌ نَوْمُهُ سَهَرُ

حَتّى كَسَوْتَ حياةً جِسْمَ مَملكةٍ

بِرَدّ روحٍ إليهِ منكَ يَنْتَظرُ

هنئتَ بالملكِ إذْ عُزّيتَ في ملكٍ

لِمَوْتهِ كانَ منكَ العيش يذَّخِرُ

جَلَستَ في الدستِ بالتَّوفيقِ وابتَهَجَتْ

بِكَ المَنابِرُ وَالتِّيجانُ والسُّرُرُ

أَضحَتْ عُلاكَ على التَّمكينِ ثابِتَةً

فَطيبُ ذِكرِكَ في الدُّنيا له سَفَرُ

تناوَلَ القَوْسَ باريها فأسْهُمُهُ

نَوافِذٌ في العدى أَغراضُها الثُّغَرُ

وقامَ بالأمرِ سهْمٌ منكَ مُعْتَزِمٌ

يجري منَ اللَّه في إِسعادِهِ القَدَرُ

وأصبَحَتْ هِمَمُ الآمالِ سانِيةً

عَنِ العَطايا الَّتي عُنوانُها البِدَرُ

وَأَنتَ سَمحٌ بِطَبعٍ غَيرِ مُنتَقِلٍ

سِيّانِ في المحلِ مِنكَ الجَوْدُ وَالمَطَرُ

واسلَمْ لِعِزِّ بني الإِسلامِ ما سَجَعَتْ

سَوامِرُ الطَّيرِ وانآدت بِها السَّمُرُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

تغنت قيان الورق في الورق الخضر

المنشور التالي

كفى سيفك الإسلام عادية الكفر

اقرأ أيضاً

قد وفينا لك بالوعد

قَدْ وَفَيْنَا لَكَ بِالْوَعْ دِ وَكَانَ الوَعْدُ دَيْنَا وَحَكَمْنَا لَكَ بِالإِيْ ثَارِ بِالْحَظِّ عَلَيْنَا بِبَدِيْعٍ مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ…

اجعل رثاءك للرجال جزاء

اِجعَل رِثاءَكَ لِلرِجالِ جَزاءَ وَاِبعَثهُ لِلوَطَنِ الحَزينِ عَزاءَ إِنَّ الدِيارَ تُريقُ ماءَ شُؤونِها كَالأُمَّهاتِ وَتَندُبُ الأَبناءَ ثُكلُ الرِجالِ…