لو أن ربع غير مندرس

التفعيلة : البحر البسيط

لو أنّ رَبْعَ غيرُ مُنْدَرِسِ

ما بتّ أُوحَشُ من جوْرِ المها الأنُسِ

من كلّ روضةِ حُسْنٍ زَهْرُها أرِجٌ

تُهْدي الهوى ليَ في لحظٍ وفي أنَسِ

لمّا تَظَلّمَ من أطرافِها عَنَمٌ

فاسحل أقحوان الظَّلْمِ واللَّعَسِ

تديرُ بالسّحْرِ عَيْنيْ أمّ شادِنَةٍ

بفاترِ اللحظ للألبابِ مُخْتَلسِ

وما رأيْتُ مهاةً قبلها وُصِفَتْ

في السرب بالشمَم المعشوق لا الخَنَسِ

لها محاسنُ من غبنِ الشباب غدت

محاسِنُ الغيدِ منها وهي كالدلَسِ

تُصبي الحليمَ وتَسْبيهِ فَمُبْصِرُها

كمنتشً في خَبَالِ السّكْرِ مُنْغَمسِ

شَمسٌ شَموسٌ عنِ الشيب الذي جمحتْ

عنه وذاتُ عنانٍ للصبا سَلِسِ

إنّي لأعجبُ والآرام مُجْبَنَةٌ

من رِئمِ خِدْرٍ لليثِ الغيل مفترسِ

لاح القتيرُ فأقمارُ البراقعِ لم

تَطْلُعْ عليّ وقصب البانِ لم تمسِ

حتى كأنّ بَياضَ الشيب منتقلٌ

إلى سوادِ عُيُونِ الخُرّدِ الأنسِ

إن فاتني قَنَصُ الغزلان نافرةً

فقد ترى من خيول الهمِّ ما فرسي

كم أشهبٍ صادَ غزلان الصوارِ فما

لأشْهبي راسخُ الأرساغِ في دَهَسِ

ستّ وستونَ عاماً كيف تُدرك بي

مَن عُمْرُها يَنْتهي منها إلى السدسِ

للَّه دَرّ شبابٍ لستُ ناسِيَهُ

لو أنّهُ كان إنساناً لقلتُ نَسي

يَسقْي محاسنَ ذاتِ الربعِ مُعْطِشُها

سَحّاً بكل ضَحُوكِ البرق مُنبَجِسِ

وداخِلاتٍ على الظّلْماءِ سَبْسَبَها

بكل خِرْقٍ عريقٍ في العلى نَدِسِ

كَأَنَّها وهيَ تَرمي المقفِراتِ بهم

مِنَ الوجيفِ نِبالٌ والهزالِ قِسي

مِثلُ الحواجِبِ لاذَتْ وهيَ ظامِئَةٌ

بأعينٍ بالفلا مطموسةٍ دُرُسِ

لا يُحْبَسُ الماءُ إلّا في ثَمائِلها

تيهاً فتحرس نقطاً بالكبود حسي

من كلّ دامِيةِ الأخفافِ مرْقلةٍ

ترتاعُ مِنْ صَوْتِ حادٍ خَلْفها شرِسِ

مستوحشٍ من كلام الإنسِ تُؤنِسُهُ

من جُوَّعٍ من ذئابِ المهمهِ الطُّلُسِ

ماذا تقولُ وَلَجُّ البحرِ يَسحَبه

إنَّ السفينة لا تجري على اليبسِ

قفْ بالتفكرِ يا هذا على زَمَنٍ

جمّ الخطوبِ وَمَثّلْ صَرْفَه وَقِسِ

ولا تكنْ عنده للسلمِ ملتمساً

فالأريُ في فم صلٍّ غيرُ مُلْتمَسِ

إنَّ الفتى في يَدَيهِ المالُ عاريَةٌ

كالثوب عُرّي منه غَيْرُهُ وَكُسي

وإنّه ليُنَمِّيهِ ويُودِعُهُ

من الصبابة بين الحِرْصِ وَالحَرَسِ

إن الهوا لمحيطٌ بالنفوسِ فقُلْ

هل حظّها منه غيرُ الفوْتِ بالنفَسِ

إنّي امرؤ وطباعُ الحقِّ تَعْضُدُني

مُطَهَّرُ العِرْضِ لا أدْنو من الدّنَسِ

ألِفْتُ حُسْنَ سكوتٍ لا أُعابُ به

ولي بيانُ مقالٍ غير مُلتْبَسِ

فما أُحرِّكُ في فكّيّ عن غَضَبٍ

لسانَ مُنْتَهِشِْ الأعْراض منتهسِ

قد يَعْقِلُ العاقلُ التحريرُ مَنْطِقَهُ

وربّ نُطْقٍ غدا في الغيِّ كالخرسِ

والجهلُ في شِيمِة الإنسان أقتلُ من

تخلخل النّبْضِ في بُحرانِ مُنتَقسِ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

حمى حمى الملك منه صارم ذكر

المنشور التالي

أسلمني الدهر للرزايا

اقرأ أيضاً