أيا خلج المدامع لا تغيضي

التفعيلة : البحر الوافر

أيا خُلُجَ المدامعِ لا تغيضي

وَذُوبي غَيْرَ جامدةٍ وَفيضي

فقد قُلِبَ التّأسِّي بالرّزايا

أسىً ملأ التراقِيَ بالجريضِ

أراكَ على الرّحيلِ بأرْضِ مَحْلٍ

فقيرَ الرّحْلِ من زادٍ عريضِ

فَدَعْ أشَرَ الجَموحِ وكُنْ ذليلاً

لعِزِّ اللَّه كالعَوْدِ المروضِ

فلستَ مُنَعَّماً بيَدَيْ حبيبٍ

ولا بِمُعَذَّبٍ بيدي بغيضِ

وأشقى الناس في الأُخرى ابن دنيا

يقول لِنَفسِهِ في الغيِّ خُوضي

أَما شَرَحَتْ له عِبَرُ اللَّيالي

معانِيَ بَعْدَ مُلْتَبِسِ الغموضِ

وناحتْ هَذِهِ الدُّنْيا عَلَيه

فظنَّ نياحَها شَدْوَ القريضِ

فلا يَغتَرَّ بالحدثانِ غَمْرٌ

لذيذُ النوم في طَرْفٍ غضيضِ

فقَد يُصْمي الرَّدى في الوكدِ فَرخاً

فَيَرْتَعُ منه في لحمٍ غريضِ

وَيُبلْي غَيْرَ مُستَبقٍ حيَاةً

لِقَشْعَمِ شاهِقٍ مَيْتِ النهوضِ

ويُلْحِمُهُ ابنُهُ ما اختار نهساً

بِمِنْسَرِهِ المُدَمّى من أنيضِ

وساعاتُ الفَتى سُودٌ وَبِيضٌ

تُرَحِّلُ سُودَ لِمّتِهِ ببيضِ

يذوقُ المرءُ في مَحْياهُ موتاً

جفُوفَ الزّهْرِ في الروضِ الأَريضِ

وأشراكُ الرّدى في الغيب تخفى

كما يَخْفَيْنَ في تُرْبِ الحضيضِ

عجبتُ لجَمْعِهِ فيهنّ صَيداً

بها بينَ القشاعِمِ والبَعوضِ

رأيتُ الخلقَ مرْضى لا يُداوَى

لهم كَلَبٌ مِنَ الزّمَنِ العضوضِ

وَلا آسٍ لهم إِلّا مريضٌ

فهل يُجْدي المريضُ على المريضِ

يواصلُ فيهمُ فتكُ ابن آوى

وهم في غَفْلَةِ البَهَمِ الرّبيضِ

وما ينجو امرُؤٌ من قَبضَتَيهِ

يُدِلّ بِسَبق مُنْجَرِدٍ قبيضِ

وقالوا الزكرَمِيُّ أُذيقَ كأساً

يحولُ بها الجريضُ عن القريضِ

فقدتمْ في المُعَلّى كِبْرَ حَظٍّ

له بالفائزين ندَىَ مُفِيضِ

يطيرُ به جَنَاح الطّبْع سَبقاً

مِنَ الإحسانِ في جوٍّ عَريضِ

ولو مُزِجَتْ حلاوَتُهُ بنفطٍ

لسَاغَ وَجَلّ عن خَصرِ الفَضيضِ

لقد عَدِمَ المُعَمّى منه فكّاً

ومات لِمَوتِهِ عِلْمُ العَروضِ

أبا حَفصٍ تَرَكتَ بِكُلِّ حَزْنٍ

عَليكَ الفضلَ ذا قلبٍ مهيضِ

يُرَوّي اللَّهُ ترباً نِمْتَ فيه

فباكي المُزْنِ مُبْتَسِمُ الوميضِ

فَقد أبقَيتَ ألِسنَةَ البرايا

بفخرِكَ في حديثٍ مستفيضِ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

ومن سفن القفر سباحة

المنشور التالي

وابن السماء ينير مطلعه

اقرأ أيضاً