ما استشرفت منك العيون ضئيلا

التفعيلة : البحر الكامل

ما استشرفتْ منك العيونُ ضئيلا

لكنْ عظيماً في الصدورِ جليلا

أقْبلتَ في خِلعِ الولايةِ طالعاً

والناسُ حولَك يوفضون قبيلا

فكأنك البدرُ المنيرُ مكلَّلاً

من طالعاتِ سعودهِ إكليلا

كم من غليلٍ يومَ ذلك هجتَهُ

لا زلتَ في صدرِ الحسودِ غليلا

منْ كان جمَّلهُ لَبوسُ ولايةٍ

وأعاره التعظيمَ والتبجيلا

فبذاتِ نفسِكَ ما يكون جمالُها

وبمائهِ كان الحسامُ صقيلا

تبّاً لمَنْ تَعميَ بصيرةُ رأيهِ

حتّى يراك بما سِواك نبيلا

إني لأكبِرُ أنْ أراك مهنَّأً

إلّا بما يتجاوزُ التأميلا

لأحقُّ منك بأن يُهنأ معشرٌ

رُزِقُوكَ حظاً في الحظوظ جزيلا

أنصفتَهم وأقمتَ عدلكَ فيهمُ

ميزانَ قِسطٍ لا يميلُ مَميلا

فهَدتْ عيونُهُمُ وأفرخَ روعُهم

وأقام منهم مَنْ أرادَ رحيلا

منْ بعدِ ما سألَ الحميمُ حَميمَهُ

ما بالُ دفّكَ بالفراش مذيلا

لا يعدموك فقد نصحْتَ إمامَهم

ووضعْتَ إصْرهُمُ وكان ثقيلا

أرفقتَهم في خرجِهم ووفرتَهم

وكذا المُدِرُّ يُقدّمُ التحفيلا

فتنافسوا بك في العمارةِ بعدما

طالَ العِداءُ فعُطّلتْ تعطيلا

فقضاكَ ريْعُ العدلِ ما أعطيتهم

أوفى قضاءٍ واصطنعْتَ جميلا

والعدلُ مغزرةٌ لكلّ حلوبةٍ

والجَوْرُ يُعقبُ رِسلَها تشويلا

لِمْ لا تكونُ لدى إمامِك مُرتضىً

لا يبتغي بك في الكُفاةِ بديلا

وإذا وليتَ فليسَ يعْدَمُ قائلاً

ما كان رأيُ إمامِنا ليفيلا

تَجبي له مالَ البلادِ وحمدها

إذ لا تضيعُ من الحقوقِ فتيلا

قال الإمام وقد جمعتهما له

حظانِ مثلُهما بمثلكِ نِيلا

أنت الذي يَمري اللّقاح برفقهِ

ملءَ الوِطابِ ولا يُجيع فصيلا

أسمعتَهُ شكرَ الرعيَّةِ بعدما

جارَ الولاةُ فأسمعوه عويلا

كسبتْ له التجويرَ قبلك عصبةٌ

فكسبْتَ بعدهُمُ له التعديلا

ولقد قطعتَ إليه كلَّ حِبالة

لا يستطيعُ لها الدهاةُ حويلا

ولقد ركبْتَ إليه كُلَّ مخوفةٍ

لو زلَّ راكبُها لطاحَ قتيلا

ووهبتَ نفسكَ للمتالفِ دونَهُ

ورأيتَ ذلك في الإمام قليلا

شهدَ الخليفةُ والرعيةُ أنه

ما كان جولُك عِند ذاك مهيلا

شهدَ الخليفةُ والرعيةُ أنه

ما كان رأيك عند ذاك سحيلا

أنتَ الذي قطعَ الحبائلَ بعدما

أزِمَت أزامِ وعضَّلتْ تعضيلا

فنجوتَ من أيدي الأخابثِ سالماً

ورهنتَهم لهفاً عليك طويلا

ولئنْ نجوتَ لقد ركبْتَ عزيمة

حَذَّاءَ تسبقُ داعراً وجديلا

وأجلتُ رأياً أحوذياً مثلَهُ

فيما ينوبُ من الخطوبِ أُجيلا

ولقلَّ ما ينجو امرؤٌ من مثلها

بالرأي إلّا أنْ يكونَ أصيلا

دبَّرتَ تدبيرَ المدبّرِ إنه

ما كان عندَ مَضلَّةٍ ضِلّيلا

بلْ كنتَ للملكِ السعيدِ وديعةً

أمرَ الإلهُ بحفظِها جبريلا

بل ذا وذاك وإن وُهبتَ لأمةٍ

تعفو فضولَكَ بكرةً وأصيلا

ولقد بلاك الطالبونَ فثُبِّطُوا

أن يُدركوكَ وخُذّلوا تخذيلا

ورأوا مكانك ريثَما أخليتَهُ

كمكانِ بعضِ الراسياتِ أزيلا

فسرَوْا على حَرَدٍ إليك وأعملوا

طلباً يحثُّ به الرعيلُ رعيلا

فسُتِرتَ دونهمُ بسترِ كثافةٍ

حتى خفيتَ وما خفيتَ ضئيلا

فثنوا أعنّةَ راجعين بخيبةٍ

كرجوعهم أيامَ ساقوا الفيلا

ولعلّهم لو أدركوك لأُرسِلتْ

طيرُ العذابِ عليهمُ السّجِّيلا

ولمَا خفيت بأن وجهك لم يكن

في كل ليلٍ دامسٍ قنديلا

لكن بأن خالوه بدراً باهراً

وإذا أخال شبيهُ شيءٍ خِيلا

ما قدرُ ليلٍ أن تكونَ لبستَهُ

فاخْتِينَ نُوركَ تحتَه واغتيلا

أنَّى تُجلّلُك الدجى يا بدرَها

لن تستطيع لك الدجى تجليلا

ولما خفيتَ بأن نَشْركَ لم ينلْ

أقصى مدى نشرٍ ونيَّفَ ميلا

لكن بأنْ حسبوه رَيّا روضةٍ

هبّتْ لها ريحُ الشمال بَليلا

واللَّهُ ثبّطَهم بذاك فكذَّبوا

فيك اليقينَ وصدّقوا التخييلا

كم ليلةٍ نسي الصباحَ مساؤها

قد بِتَّ فيها بالسُّهادِ كحيلا

ما نمتَ نومَ غريرةٍ في خِدْرها

لكن سَريْتَ سُرى الرجال رجيلا

ولعمرُ جمعِ الزنجِ يومَ لقيتَهم

ما صادفوك يراعةً إجفيلا

شهدتْ بذلك في جبينك ضربةٌ

كانتْ على صِدقِ اللقاء دليلا

تركتْ بوجهك للحفيظة مِيسماً

ما رجَّعتْ وُرقُ الحمامِ هديلا

من بعدِ ما غادرتَهم وكأنما

قعرتْ بهم عُصفُ الرياحِ نخيلا

ما زلت تنكؤهم بحدّ شائكٍ

لم تألُهُم قرحاً ولا تقتيلا

تقريهُمُ طعناً أبجَّ وتارةً

ضرباً يُزيّلُ بينهم تزييلا

حتى إذا ألبَ الجميعُ وألَّلوا

تلقاءَ نحرك حَدَّهُمْ تأليلا

أسرُوك إذ كَثَروكَ لا لعزيمةٍ

فشلت عليك ولا لصبرٍ عِيلا

لكنْ رمَوْكَ بدُهمِهم وكأنهُم

جيشٌ أجابَ دعاءَ إسرافيلا

فانقدْتَ طوعَ الحزمِ لا مستقتلاً

خَرِقاً ولا سلسَ القيادِ ذليلا

ورأيتَ أن تَبقى لهم فتكيدهم

أجدى ومثلُك أحسنَ التمييلا

وقتالُ من لا تستطيع قِتالهُ

في الناس يكسبُ رأيكَ التفييلا

ومن اتَّقى التحيينَ فيما يتّقي

فكذاك أيضاً يتَّقي التجهيلا

بل أعجلوكَ عن المِراس كأنهم

عُنفٌ من السيلِ استخفَّ حميلا

لا فُلَّ حدُّك من حسامٍ صارمٍ

ترك القِراعُ بحدّهِ تفليلا

لو حُكتَ في السيفِ الذي كافحتَهُ

ما حاك فيك لأسرعَ التهليلا

لو مَسَّهُ الألمُ الذي أحذاكه

أو دونَ ذاك لما استفاقَ صليلا

أو فلَّ فيه حُرُّ وجهك فلّةً

في حُرّ وجهك ريعَ منه وهيلا

للَّه نفسٌ يومَ ذاك أذلْتها

ولرُبَّ شيءٍ صينَ حين أُذيلا

لوقفْتها نصبَ الكريهةِ موقفاً

ما كان تعذيراً ولا تحليلا

لا جاهلاً قدْرَ الحياةِ مغمَّراً

بل عارفاً قدْرَ الحياة بسيلا

مثل الهزبرِ المستميتِ إذا ارتدى

أشباله من خلفِهِ والغيلا

والحربُ تغلي بالكُماةِ قدورَها

والموتُ يأكلُ ما طهتْه نشيلا

تخِذوا الحديدَ مغافراً وأشلَّةً

وتخذتَ صبركَ مِغْفراً وشليلا

نفسٌ طلبتَ بها العلا فبلغتها

وركبتَ منها كاهلا وتليلا

وإذا أذلتَ النفسَ في طلب العلا

فلتُلفَيَنَّ لما ملكتَ مُذيلا

أتُراك بعد النفس تبخلُ باللُّهى

اللَّهُ جارُكَ أن تكونَ بخيلا

ما كنتَ تمضي في اللقاء مُصمِّماً

فتكون في شيءٍ سِواهُ كليلا

مَنْ جاد بالحَوْباء جاد بمالهِ

فالمالُ أيسرُ هالكٍ تعجيلا

ونظرتُ ما بخلُ امرىءٍ وسماحُهُ

والرأي يُوجدُ أهلَهُ التأويلا

فالبخلُ جُبنٌ والسماحُ شجاعةٌ

لا شكَّ حين تُصحِّحُ التحصيلا

جَبُنَ البخيلُ من الزمان وصَرْفِهِ

فتهيَّبَ الإفضالَ والتنويلا

واستشعرتْ نفسُ الجوادِ شجاعةً

فرجا الزمانَ على الزمانِ مُديلا

وإذا امرؤٌ مُنح الشجاعة لم يجدْ

عنه السماحُ لرحلهِ تحويلا

ولقلَّ ما جاد امرؤٌ ليستْ له

نفسٌ ترى حدَّ الزمانِ فليلا

ليشمّرِ الغادي إليك ذُيولَه

كيما يروحَ مُرفَّلاً ترفيلا

فلربَّ تشميرٍ إليك رأيتُهُ

بالأمسِ أعقبَ أهلهُ تذييلا

جُعل البخيلُ لما يفيدُ قرارةً

لكنْ جُعلتَ لما تفيدُ مَسيلا

صرفتْ يداك إلى المكارم والعلا

عن مالك التثمير والتأثيلا

شذَّبتَ في دارِ الفناءِ أثيلَهُ

ليكون في دارِ البقاءِ أثيلا

ما سوَّلتْ نفسٌ لصاحبها الغنى

إلا انبريتَ تُصدّقُ التسويلا

تَعِدُ المنى عنك الغنى فتفي به

وتقيمُ جودَك بالوفاء كفيلا

وتفي بما يعدُ الكذوبُ كأنما

كُفّلتَ ذلك دونَهُ تكفيلا

ولو استطعتَ إذا وفيتَ بوعدِهِ

نفَّلتَه حُسنَ الثنا تنفيلا

ولرُبَّ مرجوّ سواك مُؤمَّل

ألفاه راجيهِ عليك محيلا

فقبلتَ منه حَوالةً مكروهةً

ورأيتها حظاً إليك أَميلا

ونقدتَ صاحبَها الثوابَ مُعجّلاً

إذ ما سألتَ بنقدهِ تأجيلا

يفديك مَنْ تفدي بمالك عرضَهُ

وتذودُ عنه الذمَّ والتبخيلا

لولاك أصبحَ عرض كُلّ مبخَّل

شلواً يُمزقه الهجاء أكيلا

الناسُ أدهمُ أنت فيه غُرَّةٌ

جُعلَ الأفاضلُ تحتَها تحجيلا

لو كنتَ في عصرِ النبيّ محمدٍ

أوحَى الإلهُ بمدحِك التنزيلا

شاركتَ إبراهيم في اسمٍ واحدٍ

ونسختَه شبهاً كإسماعيلا

لم يُبقِ إبراهيم إرثَ خليفةٍ

إلا وقد قُبّلتها تقبيلا

ولئنْ تقدّمك الخليلُ بزُلفةٍ

لبمثلِ ما تُسديه كان خليلا

تقواك تقواهُ وبرُّك برُّهُ

للَّهِ درُّكُما أباً وسليلا

ولقد دعوتَ اللَّه مثلَ دعائهِ

عند البلاءِ فزلَّ عنك زليلا

يفتنُّ فيك المادحونَ وكلُّهم

يتجنّبُ التشبيه والتمثيلا

فُتَّ العديلَ فما يقالُ كأنه

مَنْ ذا رأى لك في الأنامِ عديلا

هذا أبا إسحاق موقفُ عائذٍ

بك من نوائبَ لم يَدَعْنَ ثَميلا

يتواعدُ الأيامَ منك بجحفلٍ

ينفي الأوابدَ هدَّةً وصهيلا

شئزَ المقيلَ بحيث عبدُك ضاحياً

فامهدْ لعبدك في ذَراك مقيلا

وأفىءْ عليه الظَّلَّ بعد زواله

لا زال ظلُّك ما حييت ظليلا

يا منْ عليه عيالُ آدمَ بعْدَهُ

أكفلْ أخاك وإن غدوتَ مُعيلا

يا منْ تكفَّل للعبادِ برزقهِم

أتخالُني فيمنْ كفلْتَ دخيلا

سوّيتَ بين الخلقِ إلا واحداً

قد كان يأملُ عندك التفضيلا

لا تقسمِ الضّيزَى كقسمةِ معشرٍ

نصبوا موازينَ الفواضل مِيلا

صُنْ عرضَ عبدكِ أن يُذالَ فإنه

ما كان قطُّ لبِذلةٍ منديلا

صُنْ وجهَ عبدك عن سؤال معاشرٍ

ألفاهُمُ شرَّ البريةِ حِيلا

منْ مانعٍ مرعىً وآخرَ باذلٍ

مرعىً توخَّمه الكرامُ وبيلا

إنْ منَّ منَّن فاستمرَّ مريرُهُ

مِنْ مِنَّةٍ فُعلت ومنٍّ قِيلا

فكأن ما يُسديه شهدٌ مُعجِبٌ

فيه الذُّعافُ مثمَّلاً تثميلا

أصبحتُ أرجو منك عاجلَ نائلٍ

ما زال مرجوّاً لديك مَنيلا

وكأنني بي شاكرٌ لك قائلٌ

لاقَيْتُ خيرَ مُنفّل تنفيلا

لاقيتُ من لاقى الزمانَ تحامياً

عني فَنَكّلَ صرفهُ تنكيلا

وأقال جَدّي بعد طولِ عِثارهِ

لا زلتَ للجدِّ العثورِ مُقيلا

لاقيتُ إبراهيمَ واحدَ عصرِه

وكَفى به من جُملة تفصيلا

لاقيتُ مَنْ ألوى بنحسي سعدُهُ

لا زال سعداً للنحوسِ مُزيلا

قالت لحرماني سماحةُ كفِّهِ

لن تستطيعَ لسنتي تبديلا

صدقتْ مُنَى نفسي لديه عِداتها

ولقد عهدتُ عداتِها تعليلا

وارتشتُ ريشَ غنىً أطار جديدُه

ما رثَّ من حالي فطار نسيلا

أنت الذي ما قيل حين مدحتُهُ

خاطبتَ رسماً بالفلاة مُحيلا

بل قيل لي لا فال رأيك مادحاً

أمَّلْتَ مأمولاً وشِمتَ مُخيلا

أصبحتُ بين خصاصةٍ وتجمُّلٍ

والمرءُ بينهما يموتُ هزيلا

فامددْ إليّ يداً تعوَّد بطنُها

بذلَ النوالِ وظهرُها التقبيلا

ووسيلتي أني قصدتُك لا أرى

إلا عليك لحاجتي تعويلا

وأجبتُ مَنْ قال اتَّصِل بوصيلةٍ

حسبي بسؤددِ منْ مدحتُ وصيلا

ما في خلائق مَنْ مدحتُ نقيصةٌ

أبغي لها بوسيلة تكميلا

جُعلَ الرشاءُ لمنْ طُوالةُ شُربُهُ

لا لامرىءٍ مثلي يؤمُّ النيلا

ساحتْ مواردُهُ فليسَ رشاؤهُ

إلا شرائعَ سُهِّلَتْ تسهيلا

فعلامَ تقتسمُ الوسائل بينهم

حمدي فيذهبُ جُلُّهُ تضليلا

لا أُشركُ الشركاءَ في حمدِ امرئٍ

منه أؤمّلُ وحْدَهُ التمويلا

أنَّى أخوِّلُ من سواه محامدي

وهو الذي أرجو به التحويلا

وكّلتُ مجدَك باقتضائك حاجتي

وكفى به متقاضياً ووكيلا

إني رأيتُك جنةً عدنيةً

قد هُدّلتْ ثمراتُها تهديلا

حملتْ فذللتِ الغصون بحملِها

وكفتْ أكُفّ جُناتها التذليلا

أحسنتُ فيك الظنَّ وهي وسيلةٌ

شُفِّعتُ إنْ أحسنتُ فيك القيلا

ولو التقيتَ وحاتماً لحسبتَهُ

أعداه جودُك أن عراك نزيلا

فقد اكتُنِفْتَ بكلِّ أمرٍ لا تَرى

معه إلى بخسِ الجزاء سبيلا

خذها أبا إسحاقٍ صنعةَ شاعرٍ

صنعٍ أطالَ لفكرهِ التمهيلا

وأطاعه حرفُ الروي فلم يجىءْ

فيه بمفعولٍ يشوبُ فعيلا

كثرتْ معاني المدحِ فيك فهيَّأتْ

للمادحِ التكثير والتطويلا

فأطلتُ إيفاءً لمجدك حقَّهُ

بل لستُ فيك وإن أطلتُ مُطيلا

ولمَا جعلْتُك إذ أطلتُ كموردٍ

قَذَفٍ أُمِرَّ رشاؤُه فأطيلا


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

يا حسن الوجه والشمائل

المنشور التالي

تطول يا قريع بني فراس

اقرأ أيضاً