ما بعد يومك سلوة لمعلل

التفعيلة : البحر الكامل

ما بعدَ يومِك سلوةٌ لمعلَّلِ

منّي ولا ظفرتْ بسمعِ معذَّلِ

سوّى المصابُ بك القلوبَ على الجوى

فيدُ الجليدِ على حشا المتململِ

وتشابه الباكون فيك فلم يبن

دمعُ المُحِقِّ لنا من المتعمِّلِ

كنَّا نُعيَّر بالحُلوم إذا هفتْ

جَزعاً ونهزأ بالعيون الهُمَّلِ

فاليومَ صار العذرُ للفاني أسىً

واللومُ للمتماسك المتجمِّلِ

رحل الحِمام بها غنيمةَ فائزٍ

ما ثار قطّ بمثلها عن منزلِ

كانت يدَ الدين الحنيف وسيفَه

فلأبكينَّ على الأشلِّ الأعزلِ

مالي رقدتُ وطالبي مستيقظٌ

وغفلتُ والأقدارُ لمّا تغفُلِ

ولويت وجهي عن مَصارع أُسرتي

حذرَ المنيّةِ والشفارُ تُحَدُّ لي

قد نمَّت الدنيا إلىّ بسرها

ودُللتُ بالماضي على المستقبَلِ

ورأيتُ كيف يطير في لَهواتها

لحمي وإن أنا بعدُ لمَّا أُوكَلِ

وعلمتُ معْ طيبِ المحلِّ وخصبهِ

بتحوّل الجيران كيف تحوّلي

لم أركبِ الأمل الغَرورَ مطيّةً

بَلْهاءَ لم تبلُغ مدىً بمؤمِّلِ

ألوى ليمهلني إليّ زمامُها

ووراءها أُلهوبُ سَوقٍ معجِلِ

حُلْمٌ تزخرفه الحنادس في الكرى

ويقينُه عند الصباح المنجلي

أُحصِي السنينَ يَسُرُّ نفسي طولُها

وقصيرُ ما يُغنيك مثلُ الأطوَلِ

وإذا مضى يومٌ طرِبتُ إلى غدٍ

وببَضعةٍ مني مضى أو مَفصِلِ

اُخشنْ إذا لاقيتَ يومَك أو فَلِنْ

واشدُدْ فإنك ميّتٌ أو فاحلُلِ

سيّان عند يدٍ لقبض نفوسنا

ممدودةٍ فمُ ناهشٍ ومقبِّلِ

سوّى الردى بين الخصَاصةِ والغنى

فإذا الحريص هو الذي لم يَعقِلِ

والثائر العادي على أعدائه

ينقاد قَود العاجز المتزمِّلِ

لو فُلُّ غَربُ الموت عن متدرِّعٍ

بعفافه أو ناسكٍ متعزِّلِ

أو واحدِ الحسناتِ غيرَ مشبَّهٍ

بأخٍ وفردِ الفضل غيرَ ممثَّلِ

أو قائلٍ في الدين فَعّالٍ إذا

قال المفقّه فيه ما لم يفعل

وَقَتِ ابنَ نعمانَ النزاهةُ أو نجا

سَلماً فكان من الخطوب بمعزِلِ

ولجاءه حبُّ السلامة مؤذناً

بسلامه من كل داءٍ معضلِ

أو دافعتْ صدرَ الردى عُصَبُ الهدى

عن بحرها أو بدرِها المتهلِّلِ

لَحَمَتْهُ أيدٍ لا تني في نصره

صدقَ الجهاد وأنفسٌ لا تأتلي

وغدت تطارد عن قناة لسانه

أبناءُ فِهرٍ بالقُنِيِّ الذُّبَّلِ

وتبادرتْ سبقاً إلى عليائها

في نصر مولاها الكرامُ بنو علي

من كلِّ مفتول القناة بساعدٍ

شَطْبٍ كصدر السمهريّة أفتلِ

غيرانَ يسبِقُ عزمَه أخبارَه

حتى يغامرَ في الرَّعيل الأوَّلِ

وافِي الحجا ويُخال أنّ برأسه

في الحرب عارضَ جِنَّةٍ أو أخبَلِ

ما قنَّعتْ أفُقاً عجاجةُ غارةٍ

إلا تخرَّق عنه ثوبُ القسطلِ

تعدو به خَيفانةٌ لو أُشعرتْ

أنّ الصهيلَ يُجمُّها لم تصهَلِ

صبّارةٌ إن مسّها جَهدُ الطَّوَى

قنعتْ مكانَ عليقها بالمِسحلِ

فسَرَوا فناداهم سراةُ رجالهم

لمجسَّدٍ من هامهم ومرجَّلِ

بُعَداءُ عن وهْن التواكل في فتىً

لهُمُ على أعدائهم متوكِّلِ

سمْحٍ ببذل النفس فيهم قائمٍ

لله في نصر الهدى متبتِّلِ

نزَّاع أرشية التنازع فيهمُ

حتى يسوقَ إليهم النصَّ الجلي

ويبين عندهم الإمامة نازعاً

فيها الحجاجَ من الكتاب المُنزَلِ

بطريقةٍ وضَحت كأنْ لم تشتبه

وأمانةٍ عُرفتْ كأنْ لم تُجهَلِ

يصبو لها قلبُ العدوِّ وسمعُه

حتى يُنيبَ فكيف حالُك بالولي

يا مرسَلاً إن كنت مُبلغَ ميِّتٍ

تحت الصفائح قولَ حيٍّ مرسِلِ

فِلجِ الثرى الراوي فقلْ لمحمّدٍ

عن ذي فؤادٍ بالفجيعة مشعَلِ

مَن للخصوم اللُّدِّ بعدك غُصَّةٌ

في الصدر لا تهوِي ولا هي تعتلي

مَن للجدال إذا الشفاهُ تقلَّصتْ

وإذا اللسان بريقِه لم يُبلَلِ

مَن بعدَ فقدِك ربُّ كلِّ غريبةٍ

بِكرٍ بك افتُرِعتْ وقولةِ فيصلِ

ولغامضٍ خافٍ رفعتَ قِوامه

وفتحتَ منه في الجواب المقفَلِ

مَن للطروس يصوغ في صفحاتها

حَلْياً يقعقع كلّما خرِسَ الحُلي

يبقين للذكر المخلّد رحمةً

لك من فم الراوي وعينِ المجتَلي

أين الفؤادُ الندب غيرَ مضعَّفٍ

أين اللسان الصعب غيرَ مفلَّلِ

تفري به وتحزُّ كلَّ ضريبةٍ

ما كلُّ حزّة مفصِلٍ للمُنصُلِ

كم قد ضممتَ لدين آل محمدٍ

من شاردٍ وهدَيتَ قلبَ مضلَّلِ

وعقلتَ من ودٍّ عليهم ناشطٍ

لو لم تَرُضْه ملاطفاً لم يُعقَلِ

لا تطَّبيك ملالةٌ عن قولةٍ

تَروِي عن المفضول حقَّ الأفضلِ

فليجزينَّك عنهمُ ما لم يزل

يبلو القلوب ليجتبي وليبتلي

ولتنظرنَّ إلى عليٍّ رافعا

ضَبْعيك يومَ البعث ينظرُ من علِ

يا ثاوياً وسَّدتُ منه في الثرى

عَلَماً يطول به البقاءُ وإن بَلي

جَدَثاً لدى الزوارء بين قصورها

أجللته عن بطن قاعٍ ممحلِ

ما كنتُ قبل أراك تُقبَرُ خائفاً

من أن تُوارَى هضبةٌ بالجندلِ

مَن ثلَّ عرشَك واستقادك خاطماً

فانقدتَ يا قطَّاعَ تلك الأحبُلِ

مَن فَلَّ غربَ حسامِ فيك فردَّه

زُبَراً تَساقطُ من يمين الصَّيقلِ

قد كنتَ من قُمُصِ الدجى في جُنَّةٍ

لا تُنتَحَى ومن الحجا في معقِلِ

متمنعاً بالفضل لا ترنو إلى

مغناك مقلةُ راصدٍ متأملِ

فمِنَ اَيِّ خرْمٍ أو ثنيّة غِرَّةٍ

طلعتْ عليك يدُ الردى المتوغِّلِ

ما خلتُ قبلك أنّ خدعةَ قانصٍ

تلج العرين وراءَ ليثٍ مشبِلِ

أو أنّ كفَّ الدهر يقوَى بطشُها

حتى تُظفِّرَ في ذُؤابة يذبُلِ

كانوا يَرونَ الفضلَ للمتقدّم ال

سبّاقِ والنقصانَ في المتقبِّلِ

قول الهوى وشريعة منسوخة

وقضيّة من عادةٍ لم تعدلِ

حتى نجمتَ فأجمعوا وتبيّنوا

أن الأخير مقصِّرٌ بالأولِ

بكَر النعيُّ فسَكَّ فيك مسامعي

وأعاد صبحي جنحَ ليلٍ أليلِ

ونزت بنيَّاتُ الفؤاد لصوته

نزوَ الفصائِل في زفير المرجَلِ

ما كنتُ أحسبُ والزمانُ مقاتلي

يرمي ويخطىء أنَّ يومَك مقتَلي

يومٌ أطلَّ بغُلّةٍ لا يَشتفِي

منها الهدى وبغمّةٍ لا تنجلي

فكأنّه يومُ الوصيّ مدافعاً

عن حتفه بعد النبيِّ المرسَلِ

ما إن رأت عيناي أكثرَ باكيا

منه وأوجعَ رنّةً من مُعولِ

حُشِدوا على جنباتِ نعشِك وُقَّعاً

حشدَ العطاش على شفيرِ المنهلِ

وتنازفوا الدمعَ الغريبَ كأنما ال

إسلامُ قبلك أمَّةٌ لم تثكَلِ

يمشون خلفك والثرى بك روضةٌ

كحَلَ العيونَ بها ترابُ الأرجلِ

إن كان حظِّي من وصالك قبلَها

حظَّ المغبِّ ونُهزةَ المتقلِّلِ

فلأُعطينَّك من ودادي ميِّتاً

جهدَ المنيب ورجعةَ المتنصلِ

أو أنفدت عيني عليك دموعَها

فليبكينَّك بالقوافي مِقوَلي

ومتى تلفَّت للنصيحةِ موجع

يبغي السلوَّ ومالَ ميلَ العُذَّلِ

فسلوّك الماءُ الذي لا أستقي

عطشانَ والنارُ التي لا أصطلي

رقَّاصة القطراتِ تَختمِ في الحصا

وَسْماً وتفحَص في الثرى المتهيِّلِ

نسجت لها كفُّ الجَنوبِ مُلاءةً

رتقاءَ لا تُفصَى بكفِّ الشمألِ

صبّابة الجنباتِ تَسمَع حولها

للرعد شِقشقةَ القُروم البُزَّلِ

تُرضي ثراك بواكفٍ متدفِّقٍ

يُروِي صداك وقاطرٍ متسلسِلِ

حتى يرى زوَّارُ قبرِك أنّهم

حطُّوا رحالَهُمُ بوادٍ مبقلِ

ومتى ونتْ أو قصَّرتْ أهدابُها

أمددتها منّي بدمع مسبلِ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

إن كنت ممن يلج الوادي فسل

المنشور التالي

نوازع الشوق والغليلِ

اقرأ أيضاً