لو كان يرفق ظاعن بمشيع

التفعيلة : البحر البسيط

لو كان يَرفق ظاعنٌ بمشيِّع

رَدُّوا فؤادي يومَ كاظمةٍ معي

قالوا النوى وخرجت وهو مصاحبي

ورجعت وهو مع الخليط مودِّعي

فلأيِّما من مهجتيَّ تأسُّفي

وبأيّ قلبَيَّ الغداةَ تفجُّعي

لا كان يومٌ مثلُ ذاك لآيب

بجوىً ولا غادٍ سَرَى لم يُمتَعِ

يومٌ يُعَدُّ الجَلْدُ كلّ ملاوِذٍ

منه ويعذُبُ فيه مِلحُ الأدمعِ

أنشأتُ أُسمِي فيه غيرَ نشيدتي

من حَيْرةٍ وأرودُ غيرَ المنجَعِ

أطأ الكرى متململاً وكأنني

لهباً وقعتُ على حرارةِ أضلعي

هل يملك الحادي تلوُّمَ ساعةٍ

إن البطيء معذَّبٌ بالمُسرعِ

أم هل إليه رسالةٌ مسموعةٌ

عني فيُنصتَ للبليغ المُسمِعِ

رَوِّحْ بذي سلم على متأخّر

يبغي اللَّحاقَ وإن أبَيتَ فجعجِعِ

وتوخَّها في التابعين مثوبةً

إن المشوق إذا تخلّف يتبَعِ

الشمسُ عندَك في الخدور وعندنا

شمسٌ إذا متع الضحى لم تنصَعِ

فتَّ العيون بها فهل في ردها

طمعٌ فكيف لنا بآية يوشَعِ

نَمْ نومةَ اليأس القريرةَ إن أوى

جنبٌ يقلّبه فراقُ المضجعِ

واعلم بأنك إن رأيت فلن ترى

يوماً كأمسِك من زمانِ الأجرعِ

فوراء عهدك بالنخيلة جَوْنةٌ

بَهماء تلعب بالمحبِّ الموجَعِ

تعمَى على بصر الدليل فِجاجُها

تيهاً فُتخرَتُ بالبروق اللُّمَّعِ

رُكبتْ بها عجلَى ترى من سَوطها

أفعَى متى ونت الركائبُ تَلسَعِ

ورهاء ما نَفضتْ يداً من حاجر

إلا وقد غَمست يداً في لعلعِ

لم تألف البيداءُ قبل جُنونها

من ذات خُفٍّ أو تطيرَ بأربعِ

إن شاء بعدهم الحيا فلينسكب

أو شاء ظِلُّ غمامة فليُقلعِ

فَمقيل جسمي في ذبولِ ربوعهم

كافٍ وشربي من فواضل أدمعي

كرُمتْ جفوني في الديار فأخصبت

فغنيت أن أرِدَ الديارَ وأرتعي

فكأنّ دمعي مُدَّ من أيدي بني

عبد الرحيم ومائها المتنبِّعِ

وسهرتُ حتى ما تُميِّزُ مقلتي

فُرقانَ مغربِ كوكبٍ من مطلِعِ

فكأنّ ليلي مع تفاوت طولِهِ

أسيافُهم موصولةً بالأذرعِ

لا يُبعدنّ اللّه دارَ معاشرٍ

مذ جمَّعوا شملَ العلا لم يُصدَعِ

حملوا العظائمَ ناهضين بأنفسٍ

لم تنقبضْ وكواهلٍ لم تظلَعِ

مترادفين على الرياسة أُقعِدوا

منها على سيساءِ ظهرٍ طيّع

لم يزلَقوا في ظهرها قدَماً ولا

عثروا بها متعوّذين بدعدعِ

داسوا الزمانَ فذلَّلوا أحداثَه

بأخامصٍ فوق الأضالع وُقَّعِ

متسلطين على جسامِ أمورهِ

وثبَ الأسودِ على البهامِ الرُقَّعِ

أنِفوا من الأطراف والأوساطِ فاس

تلبوا العلاءَ من المكان الأرفعِ

تعطيهم آراؤهم وسيوفُهم

كفَّ الزمانِ من المخوفِ المُفزعِ

وُلدوا ملوكاً فالسيادة فيهمُ

مطبوعةٌ لم تُكتسبْ بتطبُّعِ

للشيخ والكهل المرجّح منهمُ

ما للموشَّح والصغيرِ المرضَعِ

لكن عميد الدولة الشمسُ التي

عنت النجومُ لنورها المتشعشعِ

سبق الأوائلَ فاستبدَّ بشوطه

متمهلاً والسبقُ للمتسرِّعِ

ورأى نجابةَ من تأخَّر منهُمُ

عنه فقال الْحَقْ بشأوي واتبعِ

فضُلوا به ولكلّ ساعٍ منهُمُ

مجدٌ فضيلةَ غالبٍ بمجمِّعِ

من ناقلٍ صدقَ الحديثِ معوَّدٍ

حفظَ الأمانة للصديق المودِعِ

يطوي الطريقَ نشيطةً حركاتُهُ

للصعبِ منها والذليلِ الطيِّعِ

تتجمّع الحاجاتُ عند نجاجها

للمرسلين بشمله المتوزِّعِ

ما بين وقتِ رحيلهِ وإيابهِ

إلا مسافةُ مُثلثٍ أو مُربِعِ

حتى ينيخَ بثقله وبضيفه

بالمستخفّ وبالوهوب الموسِعِ

فيقول عني للوزير وربما

ترد الرسالةُ من سواي فلا يعي

كم تأخذ الأشواقُ من جلَدي وكم

قلقي بحملِ فراقكم وتروُّعي

وإلام طولُ رضاي بالميسور من

حظّي وفرطُ تعفُّفي وتقنُّعي

طيان أبغي الرفدَ بين معاشرٍ

حبُّ العلا في طينهم لم يُطبَعِ

يا ضلَّتي ما قمتُ أطلبُ عندهم

رزقاً عَداك ويا سفاهةَ مَطمَعي

ومن العناء وأنت ساكنُ موضع

طلبُ العلا في غير ذاك الموضِعِ

وهبَ النوالَ على العباد مكايلي

من راحتيك بمفعَمٍ وبمترَعِ

ونداك مثلُ الطيف يخرقُ جانباً

عرضَ الفلا حتى يجاسد مضجعي

فجمال أيّامي بحضرتك التي

هي منيتي يومَ الفخار ومفزعي

وجلاءُ طرفي وانبعاثُ خواطري

ما بين مرأىً من عداك ومَسمَعِ

حظٌّ لعمرك لا اعتياضَ لناظري

منه ولا لفؤادِيَ المتصدِّعِ

يا غائباً غدت الوزارة بعده

شِلوَ الفريسةِ في الذئاب الجوّعِ

تتدافع الأيدي الضعافُ بثقلها

بهراً وما في صدرها من مدفَعِ

وُضِع اسمُها في كلِّ معنىً حائلٍ

نابٍ لها ولمثلها لم يوضَعِ

يُسمَى بها من لم يكن يسمو لها

غَلطاً ويطمعُ كلُّ من لم يطمعِ

تدعو مغوِّثَةً بمالكِ رقِّها

من بين قبضة غاصبٍ أو مدّعي

فاسأل أسود الغاب كيف تفسحت

للشاءِ عن هذا العرين المُسبعِ

ما قمتُمُ عنها وفيها مُتعةٌ

وأبيكُمُ للجالس المستمتعِ

والملك مذ أهملتموه بَيضةٌ

لم يحمها أنِفٌ وسرحٌ ما رُعي

ما زال يسري الداءُ في أعضائه

أو مات أو إن لم يمت فلقد نُعي

يفديك منهم نائمٌ عن رشده

أو حاسدٌ لك ساهرٌ لم يهجعِ

متصوِّب القدمين خفّاق الحشا

في حيث يثبت للقنا المتزعزعِ

يعطي الرياسة قابضاً أو باسطاً

خرقاء كيف تصرّفتْ لم تصنعِ

جَعل الوعيدَ على العباد سلاحَه

ووعيدُه شَنٌّ بكفِّ مقعقعِ

غضبان أنك سالم من كيده

غضبَ الفرزدق من سلامة مَربعِ

تُتْلَى صفاتُك وهو يعجَب سادراً

عجبَ الجبان من الكميّ الأروعِ

ولئن عظُمتَ وقلَّ أن تُفدَى به

فالعين تَقذَى مرّة بالإصبعِ

عِدْني بقربك إنه مَن فاته

إدراكُ حظٍّ عاش بالمتوقّعِ

وامدد إليّ يداً لو انك في السها

وعلى الثرى أهلي لنالت موضعي

بيضاء خضراء الندى أغدو بها

أبداً رطيبَ التُّرب سَبْطَ الأربُعِ

تجري بسَدة خَلَّتي أقلامُها

تُملي المضاءَ على السيوف القُطَّعِ

واسمع على بعد الديار وقربها

مثلَ القِراط تعلّقاً بالمسمعِ

غرراً بِكاراً أسلمتْ لي عُذْرَها

لو لم أكن فحلاً لها لما تُفرعِ

مما اصطفيتك في الشباب وشائباً

من صفوتيه بمُقرحٍ وبمُجذعِ

وجعلته لك أو لقومك نِحلةً

لولاي أو لولاكُمُ لم تُشرعِ

أحوِي أراقمَه بفضل تلطُّفي

فيعي وأخدَعُ منه ما لم يُخدَعِ

أرسلته طلْقَ السهام إذا استوت

لم تنعرج وإذا مضت لم ترجعِ

فبقيتَ لي وله وآيةُ معجزي

لولاك في إظهاره لم تَصدعِ

ما كرَّ يومٌ عائد بصباحه

ورواحه من مغرِبٍ أو مَطلعِ

وتحالفت في العُرْبِ أو في فارسٍ

أعيادُها من تالدٍ ومفرَّعِ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

يزور عن حسناء زورة خائف

المنشور التالي

نشدتك يا بانة الأجرع

اقرأ أيضاً