نديمي وما الناس إلا السكارى

التفعيلة : البحر المتقارب

نديمي وما الناسُ إلا السُّكارَى

أدِرْها ودعني غداً والخُمارا

من العجزِ تركُ الفتى عاجلاً

يَسُرُّ لأمرٍ يُخافُ انتظارا

وعَطِّلْ كؤوسَك إلا الكبيرَ

تجِدْ للصغيرِ أُناساً صِغارا

وقرِّبْ فتىَ مائةٍ أو يزي

دُ قد أُكمِلَ الشيبَ إلا الوقارا

تُسِرُّ المَسَرَّةَ أحشاؤه

ويُبْرِزُ للعين طيناً وَقَارا

لوِن سواه رأيتُ الغلا

مَ ينفُضُ عن كتِفَيْه الغُبارا

وذي مِبزلٍ كزنادِ المكب

بِ يَقدَحُ بالبَزْلِ منه شرارا

فسلَّ من النار في وجهه

لساناً فأمسك فاهُ حِذارا

وخادَعهُ عن خَلوقيَّةٍ

تُذوِّبُ في كأسها الجُلَّنارا

جَنَتْ فقرَ شُرَّابها المسلمين

وأغنت بغُمَّى اليهودَ التِّجارا

عَقرْنا البُدورَ لهم في المهو

رِ حتى جلَوها علينا عُقارا

يطوف بها عاطلُ المِعصَميْ

نِ يُلبِسهُ الجامُ منها سِوارا

شفيقٌ على الحبِّ من غيره

إذا قلت ما أحسن البدر غارا

ولا ومُقَبَّلِهِ ما فَرَقْتُ

أريقتُه الخمرُ أم ما أدارا

هنيئاً لِلْهَوِيَ إنِّي خلع

تُ حلمِي له وتركتُ الوقارا

وصرتُ فتَى غَبَقاتِ الملوكِ

عشِيّاً أخا النشواتِ ابتكارا

ودادِيَ والدهرُ ما دامَ دامَ

وشعرِيَ والنجمُ ما سارَ سارا

وفيحاءَ من دورهم زرتُها

وأخلِقْ بها جَنَّةً أن تُزارا

تَلجلَجَ في وصفها المحدَثون

وحُدِّثَ رِضوانُ عنها فحارا

تعرَّبَ قاسمُها عادلاً

فخطَّ وتحسبه العينُ جارا

صُحُوناً طِوالاً كما تقتضِي

شجاعتُنا وحصوناً قِصارا

وشَقَّ لبستانها عن ثَرىً

إذا طلعَ النبتُ فيه أنارا

وقد بَثَّ في ظلِّ شجرائهِ

عُيونَ الأذَى رِقبَةً واستتارا

تخفَّرَ منها بمسلوبةٍ

سوى ورَقٍ أُلحفَتْهُ إزارا

من الهِيفِ حين يجورُ النسيمُ

على غصنها لا تُطيق انتصارا

نحولٌ عَرَضْتُ له بالسِّمانِ

وصُغرَى تجنَّبتُ منها كِبارا

ومنشورةٍ ستَرتْ نفسَها

فخاطت قميصاً ولاثت خِمارا

وعزَّتْ فصانت سوى ساقها

وما إن أباحته إلا اضطرارا

تُشمِّر عنه جلابيبَها

لعادته أن يخوضَ الغِمارا

فكادت تُواريه ضنّاً به

ومن حسنها أنّه لا يُوارَى

تُشكِّكُني وهي طوع الريا

حِ تَتْبعُها يَمنَةً أو يَسارا

أتدنو لتُسعفَني بالعِنا

قِ في مثلها أم تَصدُّ ازورارا

وتجلو عليك بناتِ الفسيلِ

إذا كَستِ السَّعَفاتُ الثمارا

غدائرُ غيدٍ يُضفِّرنَها

وتأبى عليهنّ إلا انتشارا

جلبنا له الماء من شاهقٍ

جزانا بحسْبِ الصعود انحدارا

وما سال حتى أسلنا اللُّجيْنَ

ولا عَزَّ حتى أهنَّا النُّضارا

إذا ما تحلَّق مستعلياً

تَعلَّقَ بالطبع يبغي الفِرارا

فثَوَّرَ خَمْساً إذا ما نطقنَ

بأخبارِهِ خِلتَ نقعاً مُثارا

إذا جادهنَّ ندىً جُدْنَهُ

وإن فرَّ طِرْنَ إليه نِفارا

هوِينَ الأَمانةَ حتى اجتهدنَ

لِيقضينَهُ ماءَه المستعارا

تَروسُ عليهنّ في وسْطِهِن

نَ كُبرَى تعولُ بناتٍ صِغارا

برزنَ يُخيَّلْنَ للناظرين

صوامعَ من حولها أو مَنارا

إذا سدَّدتْ لطعانٍ قَناً

حذفْنَ إليها نُصولاً طِرارا

حوتْهنّ معجزةُ الآيتينِ

تجودُ الحيا وتُمدُّ البحارا

فمن بين خَرْكاءَ مضروبةٍ

على تَلعةٍ حَمَلتْها اغترارا

تَولَّى مَجَاريَها فوقها

من الماء سمحٌ كريمٌ نِجارا

إذا ما أُديرَ لها مرّةً

لتُعجِبَ جادت فدارتْ مرارا

لها آيةٌ لم تكن قبلَها

ولكن ظَهرَنا عليها اقتدارا

ترى ظلَّها جامداً مائعاً

وتحمِلُ ضدَّين ماءً ونارا

ومثلِ العروسِ عروسٌ تُديمُ

يداها على مِنكبيْها النِّثارا

إذا ما جَلَوها أبتْ حِشمةً

بكرسيِّها أن تُطيق القَرارا

طلبنا لها الكُفءَ من قومها

فعزَّ وكان سوى الكُفء عارا

فعدنا نُزرّ عليها السُّجوفَ

فترضى بها عفّةً واختفارا

وكالظبي يُظلمَ باسم الجِمال

فيطغَى إباءً ويُغضِي اغتفارا

ويُزبِدُ فوه لُغاماً إذا

تفرَّق عن شَفَتيْه استطارا

يسير رَوِيّاً إذا ما اغتدت

كبودُ المطايا عِطاشاً حِرارا

ولولا الذي فَعلَ الطِّنْبَلَنْبُ

لقد أنجدَ المدحُ فيه وغارا

ولكنّه خافرٌ للذما

مِ جاورتُهُ فأساءَ الجِوارا

بغاني فلم أنجُ مع نَهْضَتي

ورحبِ خِطَائِيَ منهُ فِرارا

رماني فأصمَى بسهمٍ له

يدور مع المتَّقي كيفَ دارا

إذا هو فَوَّقهُ للثيا

ب ألقَى جروحاً تُضِلُّ السِّبارا

فأردَى ردائي وجاءت إلي

ك دُرَّاعتي تبتغي منكَ ثارا

قتيلي لديكَ فلا تذهبنَّ

عليكَ دماءُ ثيابي جُبارا

وبيتٍ إذا الدهرُ ضامَ الشتاءَ

تَعوَّذَ منه به فاستجارا

صحِبتُ الخريفَ به في المصيفِ

وذكَّرني الليلُ فيه النَّهارا

وأهدَى الهواءَ له ناشرٌ

جناحيْن لو حَمَلاه لطارا

تنصَّت للريح مستفهماً

بأذْنيْن لا يحملان السِّرارا

إذا عَبَرتْ مطلَقاتُ الريا

ح يسلُكْنَه ظِلْنَ فيه أَسارى

فتلفِظُ منها السُّمومُ الشّرارَ

ويُلقى إلينا النسيمُ الحِبارا

غرائبُ روَّضتَ يا ابن الكرام

برأيك منها الشَّموسَ النَّوَارا

وباهلتَ بالأرض فيها السما

ءَ فاعترفت خجلاً وانحصارا

وقبَّحتَ في جنب تحسينها

بأعين أربابهن الديارا

فلو صاحبُ السَّدِّ لاحت له

تبيَّن فيما بناه العَوارا

وقيستْ لكسرَى بإيوانه

قَلاهُ ولم يُعطَ عنها اصطبارا

أرتك بدائعَها هِمّةٌ

تُهينُ عليك العظيمَ احتقارا

وفضْلٌ يُجَلِّيكَ يومَ الرِّها

نِ مَنْ لا يُبَذُّ ومَنْ لا يُجارَى

فأقسِمُ باللّه لو أنصفو

ك قِسْماً وَردُّوا إليَّ الخِيارا

لما كنتُ أرضَى لك الخافقيْ

ن مُلكاً ولا جَنَّةَ الخُلد دارا


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

ينام على الغدر من لا يغار

المنشور التالي

ترنمت ترنم الأسير

اقرأ أيضاً