من ناظر لي بين سلعٍ و قبا

التفعيلة : بحر الرجز

من ناظرٌ لي بين سَلعٍ و قُبَا

كيف أضاء البرقُ أم كيف خَبَا

نبَّهني وميضُه ولم تَنمْ

عيني ولكن رَدَّ عقلاً عَزَبا

قرّتْ له بناتُ قلبي خافقاً

واستبردتْه أضلعي ملتهبا

كأنه يجلو ثنايا بالغضا

رُوقاً وينهلُّ لَمىً أو شَنبَا

يا لَبعيدٍ من مِنىً دَنَا به

يوهمني الصدقَ بُرَيْقٌ كَذَبا

ولَنسيمِ سَحَرٍ بحاجرٍ

رَدَّتْ به عهدَ الصِّبَا ريحُ الصَّبا

أليَّة ما فتح العطَّارُ عن

أعبقَ منه نَفَساً وأطيبا

سل مَن يدُلُّ الناشدين بالغضا

على الطريد ويردّ السَّلَبا

أراجعٌ لي والمُنَى هَلْهَلَةٌ

فطالعٌ نجمُ زمانٍ غَرَبا

وطوفةٌ بين القِبابِ بِمنىً

لا خائفاً عيناً ولا مرتقبَا

مستقبَلاً بها هُنَا وهَا هُنا

مقترَعاً عليّ أو مجتَذَبا

القَى الوصالَ مسفراً لي وجهُهُ

والغدرَ لي مع قبحِهِ منتقبِا

هناك مَنْ باعَ الغواني حِلمَهُ

بالخُرقِ عُدَّ الحازمَ المجرِّبا

ولائمٍ ملتفتٍ عن صبوتي

يُنكرها ولو أحبَّ لَصبا

إذا نَسبتُ بهواي ساءه

مُصَرَّحاً ولو كنيْتُ غَضِبا

وما عليه أن غَرِمتُ بابلاً

بحاجرٍ وفاماً بزينبا

يلومني لا مات إلا لائماً

أو عاش عاش بالهوى معذَّبا

قال عشقتَ أَشيباً يعدُّها

منقصةً نعم عشقتُ أشيبا

هل شَعَرٌ بُدِّلتُهُ بِشَعَرٍ

مُبدِّلِي من أربٍ لي أربا

أَبَى الوفاءُ والهوى وبالغٌ

مَعذرةً من سِيمَ غدراً فأبى

ما أنا من صِبغةِ أيّامكُمُ

ولا الذي إن قَلَبوه انقلبا

ولا ابنُ وجهين أَلُمُّ حاضِراً

من الصديقِ وألومُ الغُيَّبا

قلبيَ للإخوانِ شطُّوا أو دنَوا

وللهوى ساعفَ دهرٌ أو نبا

مَن عاذرِي من مُتلاشٍ كلّما

أذنَبَ يوماَ وعَذَرتُ أذنبا

يَضحكُ في وجهي ملء فمِهِ

وإن أغبْ وذُكِرَ اسمِي قَطَّبا

يطيرُ لي حَمامةً فإن رأى

خَصاصةً دبَّ ورائي عقربا

ما أكثرَ الناسَ وما أقلَّهم

وما أقلَّ في القليل النُّجبَا

ليتهُمُ إذ لم يكونوا خُلِقوا

مهذَّبين صَحِبوا المهذَّبا

فعلَّمتْهم نفسُهُ كيف العلا

وودُّه كيف الصديقُ المجتبَى

وورَدوا من خُلْقِه ويدِهِ

أبردَ ما بلَّ الصدَى وأعذبا

مثل أبي منصورَ فَلْتَلَذَّ لي ال

دنيا ولا سَرَّ سواه ابنٌ أبا

أُتركْهُ لي غنيمةً باردةً

يا دهرُ واذهبْ ببنيك سَلَبا

اللّهُ جارٌ لفتىً أجارني

على زمانٍ لم أفُتْهُ هَرَبا

وفرَّجتْ عنّي يَدَا إسعادِهِ

حوادثاً ضغطْتَنِي ونُوبَا

لما رأى الأيَّام في صروفها

ناراً تَشُبُّ ورآني حطَبا

قام لها يَصْلَى بها وناشنِي

فلم أذق حَدَّاً لها ولا شَبا

وصان وجهي لاقياً بوجهه

ذلَّ السؤالِ وكفاني الطلبَا

عِفتُ فلم أشربْ سوى أخلاقه

إذا كؤسُ الشَّرب دارتْ نخبا

وصحَّ لي جوهرةً من معدنٍ

أملسَ لا يُنبتُ إلا الذهبا

من معشرٍ تُنمْيَ العلا إليهِمُ

هم أهلُها والناسُ منها غُرَبا

كما اقترحتَ حربُهم وسلمُهم

شدُّوا رِباط الخيلِ أو شدُّوا الحُبا

ساسوا يعدّون الملوكَ واحتبوا

وسطَ النَّدِيِّ يِصفون العربَا

يرضيك من حديثهم شاهدُهم

وفي القديم ما سالتَ الكُتُبا

إذا رجال طأطأَ اللؤمُ بهم

قَعْصاً فشمُّوا بالأنوف الرُّكبا

طالوا ينالون ثَعالبَ القنا

تحسَبُ ماشِيهم بُسُوقاً رِكبا

وحدّثَتْ فروعُهم عن أصلهم

تحدُّث الناجمِ عما غَرَبا

لبَّيك مشكوراً كما لبَّيتني

وقد دعوتُ قُذُفاً لا كَثَبا

وكنتَ لي باباً إلى مطالبي

لولا قعودُ الحظّ بي وسببَا

تعجَّبَ الناسُ وقد وَلِيتَها

أُكرومةً فقلتُ لا لا عجبا

عينيَ منِّي ويدي فهل تُرَى

يفوتني ما سَلِما ما طَلَبا

وكيف لا تحفِزهُ لأرَبي

مودّةٌ تمَّت فعادت نسبا

ومِقةٌ لو خلَصتْ لابنِ أَبي

منِّي هزَّ عِطفَه وطرِبا

وإن يكن هوَّمَ فيها ناسياً

وعاجَ عن طريقها وجَنَّبا

وقَدَحتْ في أملي عندهُمُ

قادحةٌ لم يك فيها مذنبا

فقد قبِلتُ العذرَ أو قتلتُه

عِلماً وقد عاتبتُه فأَعتبَا

واستقبل الرأيَ وأعطَى ذمّةً

تصفحُ للآنفِ عمّا ذَهبا

فاشكر لها وكالةً منِّي على

نفسِيَ واقض دَيْنها إذ وجبا

من لك مثلي بأخٍ مسامحٍ

ترضيه بالعذرِ إذا ما غضبا

واحذر على مجدِك أُخرَى تنتقي

عَظم الوفاءِ وتجرُّ الرِّيبَا

شَمِّرْ عن الساقين في استدراكها

وامحُ بَوَأدي شرِّها معتقبا

ولا يزالُ أمَلي يَقنَعُ لي

بدون ما سدّ خَصاصي نَشَبا

ذاك ودعني شاكياً وسائلاً

وخذْ حديثي غَزَلاً منسَّبا

كان جناحُ الشوق أمسِ طائري

منسِّراً في كبِدي مخلِّبا

وأَكَلَ البينُ سمينَ جَلَدِي

حتى غدا سَنَامُ صدري ذَنَبا

بانَ بك العيشُ الذي يسرُّني

وعاد لما عدتَ لي مقترِبا

قال البشير قادماً فقلتُ مَنْ

قال أبو منصورَ قلتُ مرحبا

وقمتُ لا أملِكُ ما يَسَعُهُ

غير نِعمْتَ من جَزاءٍ وحِبا

أرشفُ من فيه مكانَ اسمك لا

أحسَبني أرشفُ إلا الضَّرَبا

عَطْفٌ من الأيّام لي ونظَرٌ

جاء وما كنتُ له محتسِبا

لكنّني بالبعدِ في أثنائه

أُصبحُ أو أُمسِي مَروعاً مُتعبَا

إذا اطمأنَّتْ أضلُعي تذكَّرتْ

نواك فاهتزَّتْ جوىً ولا طرَبا

فادفعْ به صدرَك ما استطعتَهُ

يوماً تردّ شملَ أُنسي شُعبَا

راخِ يديكَ في امتدادِ حبلِهِ

وطاوِل الوقتَ به أن يُجذَبا

وخَفْ على قلبي غداً من وقفةٍ

يكون لي فيها الوداعُ العطَبا

ولا تدَعْني أسال الرُّكبانَ عن

قلبٍ دوٍ وأَستطِبُّ الكتُبا

لا أقفرتْ منكَ ربوعٌ عَمُرَتْ

أُنساً ولا أيبسَ عيشٌ رَطُبا

ولا برحتَ مالكاً مقتسِراً

نواصِيَ الإقبالِ أو مغتصِبا

حتَّى تكونَ بادياً وحاضراً

بين النجوم بانِياً مطنِّبا


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

لكِ الغرام وللواشي بكِ التعب

المنشور التالي

جاء بها والخير مجلوب

اقرأ أيضاً

إن الذي بعث النبي محمدا

إِنَّ الَّذي بَعَثَ النَبِيَّ مُحَمَّداً جَعَلَ الخِلافَةَ في الإِمامِ العادِلِ وَلَقَد نَفَعتَ بِما مَنَعتَ تَحَرُّجاً مَكسَ العُشورِ عَلى…