أجارَتَنا هل للنَّسيمِ وُصولُ
إليكِ فلي منهُ الغَداةَ رَسولُ
مَضَى وأراهُ لم يَعُدْ فلَعلَّهُ
قَضَى نَحْبَهُ إذ راحَ وَهْوَ عليلُ
تمنَّعتِ بينَ الشُّوسِ والبِيضِ والقَنا
وكُلٌّ بمنعِ الطارِقينَ كفيلُ
وما كانَ يُجدِي لو بَرَزتِ من الحِمَى
وأنتِ على عَهدِ النِفارِ جَفُولُ
أيا دارَها بالوَادِيَينِ قَريبةً
نَراكِ ولكنْ ما إليكِ سَبيلُ
لئن عَمرَت منكِ البُيوتُ فإنَّما
لَديكِ قُلوبُ العاشِقينَ طُلولُ
لَنا فيكِ خَوْدٌ تَحسُدُ السُمْرُ عِطْفَها
فيبدو على أعطافِهِنَّ ذُبولُ
عزيزةُ قومٍ حُبُّها قد أذلَّني
نَعَمْ كلُّ من يَهوَى الجمالَ ذليلُ
أقامَتْ عُبيدَ الخالِ في الخَدِّ حارساً
على الوَرْدِ أنْ يَسطُو عليهِ جَهُولُ
وأحرَزَتِ الدِّرياقَ في الثَغْرِ إذ رأتْ
أفاعيَ ذاك الشَعْرِ وَهْيَ تَجُولُ
تَذَكَّرتُ ما لم أنْسَ من وَقفةٍ لنا
خِلالَ الثَنايا حِينَ جَدَّ رَحِيلُ
بَكَتْ فاستَهَلَّ الكُحلُ في صَحنِ خَدِّها
فحاكى صَدا الصَمْصامِ وَهْوَ صقيلُ
تقولُ نِساءُ الحيِّ إنِّي خليلُها
كَذَبنَ فما للغانياتِ خليلُ
لئن كانَ بعدَ البَينِ قد حال عهدُها
فعهدُ الهَوَى في القلبِ ليسَ يَحُولُ
خليليَّ إن الخِلَّ في كلِّ بَلدةٍ
كثيرٌ ولكنَّ الوفِيَّ قليلُ
إذا لم يكُنْ منكما اليومَ مُسعِدٌ
فإنَّ تَحِيَّاتِ الصِّحابِ فُضولُ
تُريدُ رِجالٌ نَجدةً ليَ بالمَنى
وتِلكَ سِهامٌ ما لَهُنَّ نُصولُ
وكم قائلٍ في الناس ليسَ بفاعلٍ
وكم فاعلٍ في الناس ليسَ يقولُ
وأحسَنُ من نُطقِ الغَبيِّ سُكوتُهُ
وأحسَنُ من مجدِ السَفيهِ خمولُ
ومَن رامَ مجداً فليكُن كابن هاشمٍ
وإلاّ فلا كي لا يُقالَ دَخيلُ
منَ السادةِ الأشرافِ أمَّا بَنانُهُ
فسُحْبٌ وأمَّا جُودُهُ فسيُولُ
يُلبّي دُعاءَ المُستجِيرِ وبَينَهُ
وبينَ المنادي في المسَافةِ ميلُ
لهُ الكَرَمُ الجَمُّ الذي شَنَّ غارَةً
على الفَقرِ حتى خَرَّ وَهْوَ قتيلُ
مديدٌ بسيطٌ وافرٌ متَقارِبٌ
سريعٌ خفيفٌ كاملٌ وطويلُ
أتيناهُ كُلُّ الرَكْبِ منَّا رَبيعةٌ
وكلُّ المطايا شَدْقَمٌ وجَدِيلُ
فكانَ كرَيْعان الضُّحى كُلَّما دَنا
يَزِيد علينا بَسطةً ويَطولُ
لئن فاتَ نجداً رِيفُ مِصرَ ونِيلُها
ففي نجدَ رِيفٌ من نَداهُ ونِيلُ
يلوحُ إذا جَنَّ الدُجَى ضَوءُ نارهِ
فذلكَ داعٍ للقِرَى ودَليلُ
كريمُ السجايا وَجهُهُ وثَناؤُهُ
وصُنْعُ يديهِ كلُّهنَّ جميلُ
تَرَحَّلُ عنهُ في الصَّباحِ كتيبةٌ
وتَعشُو إليهِ هَجْمةٌ ورَعيلُ
إذا افتَخَرَتْ عُرْبُ البوادي ففخرُها
لهُ غُرَرٌ من تَغلِبٍ وحُجُولُ
وهل كَعدِيٍّ في مَشارِفِ تُبَّعٍ
وهل لكُلَيبٍ في الحِجازِ عديلُ
أعادَ حِمَى عَمروٍ حِمَى وائلٍ لهم
وأضرَمَ تلكَ النارَ وَهْيَ تَهُولُ
أشَمُّ يَهابُ السَّيفُ مَسَّ أدِيمهِ
ويَرتَدُّ عنهُ الطَرْفُ وَهْوَ كليلُ
ألذُّ شَرابٍ عِندَهُ دَمُ فاتكٍ
وأطرَبُ صَوتٍ رَنَّةٌ وصليلُ
وأحمى دُرُوعِ القارعيهِ هَزيمةٌ
وأفضَلُ غُنْمِ الطَّالبيهِ قُفولُ
خَزائنهُ بِيضٌ وسُمْرٌ وأدرُعٌ
ونَبْلٌ وتُرسٌ مانعٌ وخُيولُ
وأعجَبُ منهُ أنهُ بنُضارِهِ
كريمٌ ولكن بالحديدِ بخيلُ
كريمُ يدٍ لا يَبْزُلُ البَكْرُ عِندَهُ
ولا يَقتَضي حَقَّ الرَضاعِ فَصيلُ
إذا نَزَلَ العافي حِماهُ فإنَّما النْ
نَزِيلُ أميرٌ والأميرُ نزيلُ
تقومُ الرُدَينِيَّاتُ حولَ قِبابِهِ
كما قامَ في الرَّبْعِ الخَصيبِ نَخيلُ
وقومٌ إذا الدَّاعي دَعا يا لَتَغْلِبٍ
تَسابَقَ منهُم فِتْيةٌ وكُهُولُ
زَجونا إليهِ كالمَطايا قَرائِحاً
عليهنَّ من نَسْجِ القريضِ حُمولُ
لَئن قامَ عن تقصيرِنا منهُ عاذرٌ
فمِنَّا عليهِ ناصحٌ وعَذُولُ
أرَى الشِّعرَ مِثلَ الماء يَجرِي فبعضهُ
أجاجٌ وبعضٌ بالزُلالِ يَسيلُ
وأعذَبُهُ ما في مَعانيهِ عظمةٌ
وفي اللَفظِ منهُ رِقةٌ وقَبُولُ
وفي الشِّعرِ لَفظٌ دُونَ مَعنىً كأنَّهُ
فَعُولٌ مَفَاعيلٌ فَعُولُ فَعولُ
تَناهَبَهُ أهلُ الزَّمانِ الذي مَضَى
فلم يَبْقَ إلاّ أرسُمٌ وفُضولُ
وماذا تَفِي تِلكَ الثُمالةُ حَقَّ مَن
لهُ كلُّ صَعبٍ في القَرِيضِ ذَلولُ
يَكادُ يَذوبُ الشِّعرُ من خَجَلٍ بهِ
لَدَيهِ فيُمحَى خَطُّهُ ويَزولُ