إن لم لك يكن في نقد الرجال يد

التفعيلة : البحر البسيط

إن لم لكَ يَكُنْ في نَقْدِ الرِّجالِ يَدُ

فانظُرْ إلى الموتِ كيفَ الموتُ ينتَقِدُ

يَدورُ في الأرض حولَ النّاسِ مُلتمساً

كريمَ قومٍ ولا يَرضَى بما يَجِدُ

جَبَّارُ صَيدٍ يريدُ الصَّقْرَ مُفتخِراً

بهِ فإن لم يَجِدهُ يُرْضهِ الصُرَدُ

إذا انتضَى سَيفَهُ فالرأسُ مَورِدُهُ

وإن رَمَى السَّهْمَ فليَستهِدِفِ الكَبِدُ

يا أيُّها المَلِكُ المرهوبُ جانبُهُ

هذا هُوَ المَلِكُ المرهوبُ إذ يَفِدُ

يا أيُّها الأسدُ الجاني بسَطْوتِهِ

على ضَواري الفَلا هذا هُوَ الأسَدُ

يا أيُّها البَطَلُ الشَّاكي السِلاحِ تُرَى

أينَ السِّلاحُ وماذا يَمنَعُ الزَّرَدُ

قد خانَ عَهْدُكَ ما تَرجُوهُ من عُدَدٍ

إذا أتى الموتُ يوماً ماتتِ العُدَدُ

ما زالَ كلُّ ابنِ أثنَى مُنذُ فِطرَتِهِ

فَريسةً بينَ أيدي الموتِ تَرتِعدُ

يا مَنْ يقولُ غداً دَعْ عنكَ ذِكرَ غَدٍ

فلَيسَ للمَرْءِ في هذا الزَّمانِ غَدُ

للموتِ كلُّ أبٍ فوقَ التُّرابِ مَشَى

وكلُّ أُمٍّ وما رَبَّتْ وما تَلِدُ

إلى تُرابٍ جُبِلْنا منهُ مَرجِعُنا

نظيرَ ماءٍ إليه يَرجِعُ البرَدُ

نَهتَمُّ في خِصبِ أجسامٍ نُنَعِّمُها

ويَشكُرُ الدُودُ مِنَّا ما بهِ نَعِدُ

مَناحةٌ في دِيارِ المَيْتِ قائِمةٌ

ودُعوةٌ في دِيارِ القبرِ تَحتَشِدُ

للدَّهرِ في كلِّ عينٍ دَمعَةٌ قَطَرَتْ

منهُ وفي كلِ قلبٍ جَمْرةٌ تَقِدُ

مَتَى تُرِدْ أن تَعُدَّ السالِمينَ فضَعْ

صِفراً على الطِّرسِ حتى يحدُثَ العَدَدُ

أستَودعُ اللهَ مَن بالأمسِ وَدَّعَني

كُرهاً فَوَدَّعَ قلبي الصَّبرُ والجَلَدُ

ما زالَ يَصحبُنا دَهراً ويُؤُنِسُنا

فما لهُ صارَ عنا اليومَ يَنفرِدُ

قد نازَعتْنا المنايا شَخصَهُ حَسَداً

وَيلاهُ حتَّى المنايا عِندَها الحَسَدُ

تَسطُو علينا بلا كَفٍّ ولا عَضُدٍ

وليسَ يَنفَعُ مِنَّا الكَفُّ والعَضُدُ

قد غابَ في الشَّرقِ بدرٌ في الضُّحَى عَجَباً

فأبصَرَ النّاسُ منهُ غيرَ ما عَهِدوا

لو أنصفتْهُ دَراري الأُفْقِ ما طَلَعتْ

حُزْناً عليه وغَشّى أُفْقَها الكَمَدُ

يا أيُّها المضجَعُ الميمونُ طالعُهُ

هل ضَمَّ كمنْ تحويهِ أو بَلَدُ

أكرِمْ لَكَ اللهُ ضَيفاً قد ظَفِرتَ بهِ

فطالما أكرَمَ الضِيفانَ إذ وَفدوا

واعرِفْ جَلالَة شخصٍ فيك قد عَرَفتْ

مَقامَهُ كُبراءُ الناسِ والعُمَدُ

واحرِصْ على كلِّ عَظمٍ من مَفاصلِهِ

فذاك من أشرَفِ الآثارِ يُعتَقدُ

يا مَنْ سَكِرتَ وليسَ السُّكْرُ عادتَهُ

بخَمْرةٍ لم يُفِقْ من سُكرِها أحَدُ

أراكَ بالقُرْبِ منِّي غيرَ مُبتعِدٍ

وأنتَ أبعَدُ مَنْ في الأرضِ يَبتِعدُ

ما نومةٌ لَكَ يومُ الحَشْرِ مَوعِدُها

ويحي وما غيبةٌ ميعادُها الأبَدُ

ما بالُ عينيِكَ لا تَنفَكُّ مُغمضَةً

جُفُونُها وبِعيني لا بها الرَمدُ

هذِهْ هيَ النَظْرَةُ الأخرى نُزوَّدُها

فهل بِزادِ حُدِيثٍ منكَ نُفتَقَدُ

وهل تُرَدُّ على بُعدٍ تحيِتُّنا

وهل تُؤَدَّى رِسالاتٌ لنا تَرِدُ

عَلوتَ يا أيُّها العالي إلى فَلَكٍ

قد طالَ منكَ إلى ما فَوقَهُ الرَّصَدُ

أنتَ الغريبُ ومَنْ لي أن يكُونَ لنا

غرائبٌ في أساليبَ الرِّثا جُدُدُ

جادَتْ على قَبرِكَ الأنواءُ باكيةً

كأنَّما قد عراها الغَمُّ والنَكَدُ

هذا هُوَ المَنزِلُ الباقي وعُدَّتُهُ

هي الذَّخيرةُ لا مالٌ ولا وَلَدُ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

أسفا لمن قد مات قبل مماته

المنشور التالي

دع يوم أمس وخذ في شأن يوم غد

اقرأ أيضاً