من يقرب النار لا يسلم من الحرق

التفعيلة : البحر البسيط

مَنْ يقرَبِ النَّارَ لا يَسلمْ منَ الحَرَقِ

فابعُدْ عنِ النَّاسِ واحذَرْهم ولا تَثِقِ

واُصبرْ على نَكَدِ الدُّنيا وكُنْ بطَلاً

يَلقَى السُّيُوفَ غَداةَ الحربِ بالدَرَقِ

إن كنتَ قد ضِقْتَ ذَرْعاً عن نوائِبها

فلا تَخَفْ إن لُطفَ اللهِ لم يَضِقِ

يَستدرِكُ المرْءُ ما يَبدُو لناظِرهِ

واللهُ يَصنعُ ما يَخَفى على الحَدَقِ

كم أرَعَدَ الجَوُّ فاهَتزَّتْ جَوانِبُهُ

ثُمَّ انتَهَى الرَّعدُ لم يفَعَلْ سَوَى القَلَقِ

ورُبَّما أطبَقَتْ سُحْبٌ فما قَطَرَتْ

إلا كما يَنقضِي البُحرَانُ بالعَرَقِ

لا يَيْأسَنَّ مريضٌ من سَلامِتهِ

ما دامَ في جِسمهِ شيءٌ من الرَّمَقِ

كم ماتَ من كانَ يُرجَى عَيشُهُ فقَضَى

وعاشَ من كانَ يَخَشى موتُهُ فبَقِي

لِكلِّ لَيلٍ صَباحٌ نستَضيءُ بهِ

فلا تَدوُمُ علينا ظُلمةُ الغَسَقِ

وآخرُ الأمرِ في ضُعفٍ كأوَّلِهِ

كما نَرى الشِبْهَ بينَ الصُّبحِ والشَفَقِ

تَخالَفَ النَّاسُ في الدُنيا فما اتَّفَقوا

إلاّ على حُبِّها الخالي من المَلَقِ

تَسابَقَت نحو كَسْبِ المالِ أنفسهم

ورِفعةِ الجاهِ مثلَ الخيلِ في الطَلَقِ

والفَقرُ أفضلُ من مالٍ حَمَلتَ بهِ

ثِقْلاً من الهَمِّ يُبلِي العينَ بالأرَقِ

والذُلُّ أحسَنُ من مجدٍ لَبِستَ بهِ

ذَمّاً منَ النَّاسِ مثلَ الطَّوق في العُنُقِ

لا خيرَ في خَمرةٍ تَحلُو لِشارِبها

طَعْماً ولكن تَلِيها غُصَّةُ الشَرَقِ

من لا يُقلِّبُ طَرْفاً في عَواقِبهِ

فليسَ تأمنُ رِجلاهُ من الزَّلَقِ

قُلْ للذي مَزَّقَ الدِّيباجَ مُعتمِداً

وبات يرقَعُ منهُ باليَ الخِرَقِ

لا تفتحِ البابَ للضِّرغامِ محترزاً

من البعوض فهذا أعظمُ الحُمٌقِ

شَرُّ الجَهالةِ ما كانَتْ على كِبَرٍ

تُسَوِّدُ الشَيْبَ مِثْلَ الحِبْرِ على الوَرَقِ

وأيسَرُ الجَهلِ ما يَرتَدُّ صاحِبُهُ

عنهُ كمن هَبَّ مُنتاشاً منَ العُمُقِ

لا تَعجَبَنَّ لِسَكرانٍ تَراهُ صَحا

لكنْ لِمَنْ غاصَ في سُكرٍ فلم يُفِقِ

إن الثَباتَ على عَيبٍ أقمْتَ بهِ

عيبٌ جَديدٌ سِوَى المَغرُوسِ في الخُلُقِ

النَّاسُ بالوَضعِ أشباهٌ وقد نَشِبتْ

فيهم مُبايَنةٌ من أكثرِ الطُرُقِ

ماذا نُؤَمِّلُ من نَفعٍ إذا اتَّفَقَتْ

أسماؤُنا والمُسمَّى غيرُ مُتَّفِقِ

يا ليتَ لي بحرَ شُكرٍ كي أخُوضَ بهِ

لكنْ أخافُ على نفسي من الغَرَقِ

شُكرُ الذي ما بِهِ عيبٌ سِوَى نِعَمٍ

تَتابَعَتْ منهُ مثلَ العطفِ ذي النَّسق

ذاكَ الذي كُلَّما رُمتُ اللحاقَ بهِ

في الحُبِّ ألفَيتُهُ قد جَدَّ في السَبَقِ

وكُلَّما كَدِرَتْ عينُ الزَّمانِ صَفا

وكُلَّما دَنِسَتْ نَفسُ الزَّمانِ نَقِي

دَلَّتْ على وُدِهِ الصَّافي صَنائِعُهُ

كالمِسكِ دَلَّتْ عليهِ نَفْحةُ العَبَقِ

والحُبُّ إنْ كانَ لا يأتي بفائدةٍ

فَذاكَ كالغُصنِ لا يُجنِي سِوَى الوَرَقِ

نَرَى منَ النَّاسِ أقواماً مَوَدَّتُهُمْ

تُرضي الفَتَى بلسانٍ خادِعٍ مَلِقِ

تِلكَ الجَرادةُ في بحرٍ وليِمتُنا

مَن فاتَهُ اللحمُ فليِشْبعْ منَ المَرَقِ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

دع يوم أمس وخذ في شأن يوم غد

المنشور التالي

أتحسب من حمر الشقيق خدودها

اقرأ أيضاً