من عاشر الدهر لا يخلو من الهوس

التفعيلة : البحر البسيط

من عاشرَ الدَّهرَ لا يخلو من الهَوَسِ

لِما يَرَى من دَواهي خُلقِهِ الشكَسِ

كأنُّهُ شاخَ حتى صارَ من خَرَفٍ

لا يُدرِكُ الفَرْقَ بينَ الماءِ والقَبَسِ

بِتنا نُعاتبُهُ جَهلاً ويَلحَظُنا

بعَينِ ساهٍ عَرَتها غَفلةُ النَعَسِ

إذا شَكَوتَ لِمَنْ في أُذنِهِ صَمَمٌ

رأَيتَ لا فَرقَ بينَ النُطقِ والخَرَسِ

دَهرٌ تَرَى كُلَّ أَمرٍ فيهِ مُلتَبِساً

ولا تُصادِفُ حُكماً غيرَ مُنعكِسِ

تَجري القَضايا على غيرِ القياسِ بهِ

فانظُرْ نَتِيجَتَها واسمَع ولا تَقِسِ

كم جاهلٍ لو أرادَ الدُرَّ يَطبُخُهُ

وعالِمٍ يشتهي كَفّاً منَ العَدَسِ

وذي غِنىً لا يُساوي منهُ خَرْدَلةً

وقارسٍ ليسَ يَسوي حافرَ الفَرسِ

لَقد رَضينا بحُكمِ الدَّهرِ كيفَ جَرى

لو دامَ ما نشتكي من عَيشِنا البَخِسِ

صُبحٌ يلوحُ ويأتي بَعدَهُ غَلَسٌ

ونحنُ نَذهبُ بينَ الصُّبحِ والغَلَسِ

في ذِمَّةِ اللهِ مِنَّا راحلٌ رَحَلَتْ

مَعْهُ فكَاهةُ رَغدِ العَيشِ والأُنُسِ

وَدَّعتُهُ عِندَ مَسراهُ فوَدَّعني

صبري وخَلَّفَ ضِيقَ النَّفسِ والنَّفَسِ

مَلَّتْ نُجومُ الدُّجى مِمَّا أُراقبُها

حَتَّى كأَنِّي منَ الأَرصادِ والحَرَسِ

واستَنكَفَ الشَّوقُ من مَثواهُ في بَدَنٍ

كأَنُّهُ طَلَلٌ في الأَربُعِ الدُّرُسِ

يَصولُ وَجدِي على السَّلوَى فيَحِطِمُها

مِثلَ العَجُوزِ تُجاهَ الفاتِكِ الشَّرِسِ

ظَلَّتْ تَمُدُّ إليهِ كَفَّ مُلتَمِسٍ

وظَلَّ يُلقِي عليها كَفَّ مُفترِسِ

حَيَّا الحَيا طِيبَ عَصرٍ مَعْ أَحِبَّتِنا

قد كانَ من فُرَصِ الأَيَّامِ كالخُلَسِ

أَحلَى الليالي الَّتي بالوَصْلِ نَقطَعُها

وأفضَلُ الوَصلِ ما يخلو منَ الدَّنَسِ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

قوموا بنا نسأل الأموات في الرجم

المنشور التالي

هكذا هكذا وإلا فلا لا

اقرأ أيضاً

في الانتظار

في الانتظار، يُصيبُني هوس برصد الاحتمالات الكثيرة: ُربَّما نَسِيَتْ حقيبتها الصغيرة في القطار، فضاع عنواني وضاع الهاتف المحمول،…