قوموا بنا نسأل الأموات في الرجم

التفعيلة : البحر الكامل

قوموا بنا نَسأَلُ الأَمواتَ في الرُّجَمِ

ما يذكُرونَ منَ اللَذاتِ والأَلمِ

قد كانَ ما كانَ حُلماً فانقَضى ومضى

كأَنَّ رائيهِ لم يَحلُمْ ولم يَنَمِ

العيشُ في الأرضِ وَهمٌ أَهلُهُ عَدَمٌ

وما الذي يا تُرَى نرجو من العَدَمِ

بالأمسِ قد كانَ إبراهيمُ صاحبَنا

واليومَ في التُربِ أَضحَى صاحبَ الرِمَمِ

كأنَّهُ لم يَكُنْ رُكناً لطائفةٍ

ولا مَناراً لدارِ العِلمِ والحِكَمِ

أجَابَ طَوعاً دُعاءَ اللهِ حينَ دَعا

وتلكَ شيمةُ إِبراهيمَ في القِدَمِ

كسا الحِدادَ سِوى القِرطاسِ مُصطحِباً

بَياضَهُ حينَ جَفَّتْ عَبْرَةُ القَلَمِ

وعاهَدَ العينَ لا تُجري مَدَامِعَها

عليهِ ما لم تَكُنْ ممزوجَةً بِدَمِ

مَضى سريعاً فلم تَثبُتْ لهُ قَدَمٌ

مَن كانَ في كلِّ فَنٍّ ثابتَ القَدَمِ

وراحَ كَهلاً كأنَّ اللهَ عاجَلَهُ

شَوقاً إليهِ فلم يلبَثْ إلى الهَرَمِ

بَكَى عليهِ ذَوُو الحاجاتِ من أسَفٍ

ومَن بَكَى قاضيَ الحاجاتِ لم يُلَمِ

وكادتِ الصُّحْفُ تبكي بَعدَ مَصرَعِهِ

لو لا مَخَافَةُ مَحْوِ الدَّمعِ للكَلِمِ

بني مُشاقةَ إِنَّ الصَّبرَ حاجتُهُ

عندَ البَلا كاحتياجِ الطِبِّ للسَّقَمِ

هذا الذي كلُّ مَولودٍ يُصابُ بهِ

فلا حِمَى عِندَنا منهُ سِوى العُقُمِ

لا يَشتَكِ المَرْءُ غَدرَ البينِ مُتَّهِماً

إذ ليسَ بَينَهُما شيءٌ من الذِمَمِ

هذا الذي خُلِقَتْ كلُّ النُفوسِ لهُ

فتُحسَبُ النَّاسُ مَوتى قَبلَ موتِهِمِ

هذا هو المَلِكُ الجَبَّارُ مُقتَدِراً

على المَمالِكِ من عُرْبٍ ومن عَجَمِ

والعادلُ الحُكمِ لا يُرشَى على عَمَلٍ

وليسَ يَفرُقُ مخدوماً عن الخَدَمِ

مِنَّا السَّلامُ على مَن لا سَلامَ لَنا

منهُ ولا بَرْدَ يُطفي غُلَّةَ الضَرَمِ

وَلّى وقد سارَ عَنّا غَيرَ مُلتَفِتٍ

نبكي فيَضحَكُ مِنَّا غيرَ مُبتَسِمِ

ضاعَ النُّواحُ كما ضاعتْ مَدامِعُنا

عندَ الذي قد رَماهُ البينُ بالصَّمَمِ

قد أدركَ الحَقَّ يَمشي في الضِّياءِ بهِ

والقومُ في باطلٍ يَمشُونَ في الظُّلَمِ

يا أَيُّها النَّاسُ هَيُّوا الزادَ وانتَبِهوا

فالموتُ للنَّاسِ كالجَزَّارِ للغَنَمِ

من رَامَ أنْ لا يَرَى فَقْداً لصاحِبِهِ

يَسبُقْ إلى المَوتِ كي ينجو كمُنهَزِمِ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

الشمس والبدر في أفق العلى افترقا

المنشور التالي

من عاشر الدهر لا يخلو من الهوس

اقرأ أيضاً