بَكَيتُ دَماً لَو كانَ سَكبُ الدِما يُغني
وَضاعَفتُ حُزني لَو شَفى كَمَداً حُزني
وَأَعرَضتُ عَن طيبِ الهَناءِ لِأَنَّني
نَقِمتُ الرِضى حَتّى عَلى ضاحِكِ المُزنِ
أَرى العَيشَ في الدُنيا كَأَحلامِ نائِمٍ
فَلَذّاتُها تَفنى وَأَحداثُها تُفني
فَمِن حادِثٍ جَمٍّ صَفَقتُ لَهُ يَدي
وَمِن فادِحٍ صَعبٍ قَرَعتُ لَهُ سِنّي
أَفي السِتِّ وَالعِشرِينَ أَفقُدُ سِتَّةً
جِبالاً غَدَت مِن عاصِفِ المَوتِ كَالعِهنِ
فَقَدتُ اِبنَ عَمّي وَاِبنِ عَمّي وَصاحِبي
وَأَكبَرَ غِلماني بِها وَأَخي وَاِبني
مَتى تُخلِفُ الأَيّامُ كَاِبنِ مُحَمَّدٍ
وَنَجلِ سَرايا بَعدَهُ وَفَتى الرُكنِ
رِجالاً لَوَ اَنَّ الشامِخاتِ تَساقَطَت
عَلَيهِم لَكانَ القَلبُ مِن ذاكَ في أَمنِ
فُجِعتُ بِنَدبٍ كانَ يَملَأُ ناظِري
فَأَصبَحَ ناعي نَدبِهِ مالِئاً أُذني
عَفيفُ نَواحي الصَدرِ مِن طَيِّ ريبَةٍ
سَليمُ ضَميرِ القَلبِ مِن دَنَسِ الضَغنِ
قَريبٌ إِلى المَعروفِ وَالخَيرِ وَالتُقى
بَعيدٌ عَنِ الفَحشاءِ وَالإِفكِ وَالأَفنِ
جَبانٌ عَنِ الفَحشا شَحيحٌ بِعِرضِهِ
إِذا عَيبَ بَعضُ الناسِ بِالشُحِّ وَالجُبنِ
وَمَن أَتعَبَ اللُوّامَ في بَذلِ بِرِّهِ
فَلائِمُهُ يَثني وَآمِلُهُ يُثني
مَضى طاهِرَ الأَثوابِ وَالنَفسِ وَالخُطى
عَفيفَ مَناطِ الذَيلِ وَالجَيبِ وَالرَدنِ
وَلَم يَبقَ مِن تَذكارِهِ غَيرُ زَفرَةٍ
تُفَرِّقُ بَينَ النَومِ في اللَيلِ وَالجَفنِ
وَلَو سَلَبَتهُ الحَربُ مِنّي لَشاهَدَت
كَما شاهَدَت في ثارِ أَخوالِهِ مِنّي
وَأَبكَيتُ أَجفانَ الصَوارِمِ وَالقَنا
نَجيعاً غَداةَ الكَرِّ في الضَربِ وَالطَعنِ
فَيا اِبنَ أَبي وَالأُمِّ قَد كُنتَ لي أَباً
حُنوّاً وَلَكِن في الإِطاعَةِ لي كَاِبني
لِيَهنِكَ إِنَّ الدَمعَ بَعدَكَ مُطلَقٌ
لَفَرطِ الأَسى وَالقَلبَ بِالهَمِّ في سِجنِ
جَعَلتُ جِبالَ الصَبرِ بِالحُزنِ صَفصَفاً
وَصَيَّرتُ أَطوادَ التَجَلُّدِ كَالعِهنِ
وَحاوَلتُ نَظمَ الشِعرِ فيكَ مَراثِياً
فَأُرتِجَ هَتّى كِدتُ أُخطىءُ في الوَزنِ
بَنَيتُ عَلى أَن أَتَّقِ بِكَ شِدَّتي
وَلَم أَدرِ أَنَّ الدَهرَ يَنقَضُ ما أَبني
وَبُلَّغتُ ما أَمَّلتُ فيكَ سِوى البَقا
وَما رُمتُهُ إِلّا الوُقوفَ عَلى الدَفنِ
سَبَقتَ إِلى الزُلفى وَما مِن مَزيَّةٍ
مِنَ المَجدِ حَتّى كِدتَ عَنهِ لَنا تُغني
خَلَفتَ أَباكَ النَدبَ في كُلِّ خِلَّةٍ
مِنَ المَجدِ حَتّى كِدتَ عَنهُ لَنا تُغني
سَرايا خِصالٍ مِن سَرايا وَرِثتَها
عَلى أَنَّ هَذا الوَردَ مِن ذَلِكَ الغُصنِ
جَزاكَ الَّذي يَمَّمتَ سَعياً لِبَيتِهِ
وَلَبَّيتَ فيهِ مُحرِماً جَنَّتَي عَدنِ
وَوَفّاكَ مَن لَم تَنسَ في الدَهرِ ذِكرَه
شَفاعَتَهُ وَالناسُ في الحَشرِ كَاللُكنِ
فَقَد كُنتَ تُحيي اللَيلَ بِالذِكرِ ضارِعاً
إِلى اللَهِ حَتّى صِرتَ بِالنُسكِ كَالشَنِّ
فَيُؤنِسُني تَرتيبُ نَفلِكَ في الضُحى
وَيُطرِبُني تَرتيلُ وِردِكَ في الوَهنِ
أَمِنتُ صُروفَ الدَهرِ بَعدَكَ وَالأَذى
فَمَن ذا رَأى مِن صارَ بِالخوفِ في أَمنٍ
سَأَبكيكَ بِالعِزِّ الَّذي كُنتَ مُلبِسي
لَديكَ وَثِقلٍ كُنتَ تَحمِلُهُ عَنّي
وَأَعلَمُ أَنَّ الحُزنَ وَالمَوتَ واحِدٌ
عَلَيَّ فَذا يُضني القُلوبَ وَذا يُفني
فَإِن كانَ عُمرُ البَينِ قَد طالَ بَينَنا
كَما طالَ في آناءِ مُدَّتِهِ حُزني
فَحُبُّكَ في قَلبي وَذِكرُكَ في فَمي
وَشَخصُكَ في عَيني وَلَفظُكَ في أُذني