غزو لونا ونسر الدم

التفعيلة : نثر

في القرن التاسع الميلادي

كان الغزاة الآتون من إسكندنافيا

والمعروفون بالفايكنغ

يغزون أوروبا يميناً وشمالاً

فرق شتى تخرج من بلادها

على قوارب طويلة تصلح للبحر والنهر

وتهاجم أوروبا من مصبات أنهارها

فتصطادُ الناس اصطياداً وتبيعُهم في أسواق النخاسة

وكثر عبيدُهم وتضخمت أسواقُهم

حتى أصبحت السوقُ مدينة

من كييفَ في أقصى الشرق

إلى دبلنَ في أقصى الغرب

وكانوا وثنيين كبير آلهتهم اسمه أودن

وهو شيخٌ أعورُ

تدلَّى من شجرة تسعةَ أيام ليتعلم الكتابة

ويؤمنون أن العالم خُلِقَ من عملاقٍ سماويٍّ

اسمه إيمير

يعرقُ عمالقةً أصغر من إبطيه

وأن أودنَ وإخوتَه قتلوه وصنعوا من جلده الأرض

ومن شعره العشبَ ومن رأسه السماء

وأن السماء يرفعها أربعة أقزام

وأن ثمة تسعةَ أكوانٍ على شجرةٍ ضخمة

وأن الأرضَ محاطةٌ بثعبانٍ يَعُضُّ ذَنَبَه فإن أفلتَهُ تَدَمّرَت

وهذا كلُّه شِعرٌ جميل

والملاحم الأيسلندية اليومَ

من كنوز تراث الأدب العالمي

لكنَّه في ذلك الزمان

كان يؤدِّي لتقديم الأضحيات البشرية

وكانوا إذا قتلوا ملكاً أو أميراً

بطحوه على وجهه، وشقوا ظهره

وفصلوا أضلاعه عن صلبه

فانفتحت كجناحين مرفوعين

ثم سحبوا رئتيه يميناً ويساراً

فصار نسراً من دم يقدمونه هدية لإلههم

وفي غارة بحرية

امتدت من عام 859 إلى عام 861 للميلاد

حاصرت فرقة منهم مدينة لونا الإيطالية

ظانين أنها روما

وكانت حصينة جداً فاستعصى عليهم فتحُها

فاحتال زعيم الفرقة الغازية

وهو رجل يدعى هستين

أنه مريض يتوقع الموت

وأنه يريد التوبة بأن يقبل المعمدانية ويتنصَّر

فسمح له الكهنة بالدخول إلى المدينة والكنيسة

وعمَّدوه واطمأنُّوا لإيمانه

ثم أعادوه لعسكره

وبعد أيام زعم عسكرُه نادبينَ

أن قائدَهم مات كما توقَّع

وأوصى أن يدفنَ في باحة الكنيسة

فسمح الكهنة وحكام المدينة

لعدد كبيرٍ من أصحابِ هستين هذا

أن يحملوه إلى داخل البلد لإتمام مراسم الجنازة

وما إن توسطَ الموكبُ المدينةَ

حتى قفزَ القائدُ الميتُ من تابوتِه

وأعمل مع أصحابه السيفَ في الكهنةِ والولاة

ثم فتح هو ومشيعوه

الأبوابَ لمن كان ينتظرهم من جيشهِم خارجها

ثم نهبوا المدينة كما فعلوا مع غيرها

واستعبدوا من أسروا من أهلها

واللطيف

أن الكهنةَ الذين وثقوا بإيمان هستين هذا

الذي جدَّ عليه قبل غزوه مدينتهم بيومين

ما كانوا ليثقوا به إلا أملاً في الاستقواء به

على جيرانهم المسيحيين من إخوتهم

في عام 1798

زعم نابليون وهو يغزو مصر أنه مسلم

وسمى نفسه الشيخَ بونابرطةَ

وبعده بمئتي سنة أي في عام 1998

هنأ الرئيس الأمريكي بيل كلينتون

المسلمين بهلال رمضان

لعام 1419 الهجريِّ

وهو يقصف العراق في عملية أسماها ثعلبَ الصحراء

كان نابليون يزعم أنه يحمي المصريين من المماليك

وكان كلينتونُ يزعم أنه يحمي أهل البلد الذي يقصفه

وفي أيامنا هذه، كم من غازٍ محتلٍّ ادَّعى

أو ادَّعى له من استدعاه واستجْلَبَه

أنه يحمي عرقَه أو دينَه أو مذهبَه

وأن حاملاتِ الطائراتِ تتحركُ

لتحميَ مغزواً يصلي هكذا من مغزوٍّ يصلي هكذلك!

فلو كنت ممّن يأمنُ الغزاة ويخاف أخاه

فتذكر تهنئة كلينتون

ورسالة بونابرت وحيلة هستين

وكلما رأيت نسراً شمالياً ماداً جناحيه يظلل الخريطة

ويغرقها بالدماء

اعلم أن كل ضحاياهُ إخوتُك

فتحصّن بأخيك

لكيلا تقدَّم أضحية لإله أعور

يتدلى من شجرة وتحيط به أفعى تعض ذنبها

وله مقعد دائم في مجلس الأمن


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

لزوم ما لا يلزم

المنشور التالي

تلك أجسامكم وضوء السراج

اقرأ أيضاً