حلمٌ على جنبات الشام أم عيدُ؟
لا الهمُّ همٌّ ولا التسهيد تسهيدُ
أتكذب العينُ والراياتُ خافقةٌ
أم تكذب الأذنُ والدنيا أغاريد؟
ويلَ النماريد لا حسٌّ ولا نبأٌ
ألا ترى ما غدتْ تلك النماريد؟
كأنَّ كلَّ فؤاد في جلائهمُ
نشوانُ قد لعبتْ فيه العناقيد
ملءُ العيون دموعٌ من هناءتها
.فالدمعُ دُرٌّ على الخدّين منضود
لو جاء «داودُ» والنُّعمى تُضاحكنا
لهنّأ الشامَ في المزمار داود
على النواقيس أنغامٌ مسبّحةٌ
وفي المآذن تسبيحٌ وتحميد
لو يُنشد الدهرُ في أفراحنا ملأتْ
جوانبَ الدهر في البشرى الأناشيد
هذي بقاياكِ يا «حِطّينُ» بدّدها
للّه ظلٌّ بأرض الشام ممدود
ليت العيونَ «صلاحَ الدين» ناظرةٌ
إلى العدوّ الذي ترمي به البيد
اضربْ بعينكَ، هل تلقى له أثراً؟
كأنه شبحٌ في الليل مطرود
ظنَّ اجتياحَكَ مأموناً فشرّدهُ
حدُّ السيوف وللأسياف تشريد
لم يبقَ غُلٌّ على ربع تُظلّلهُ
تشقى به اليدُ أو يشقى به الجِيد
أضحى رفاتُكَ في أمن وفي دعةٍ
سيفُ العدو على الأحقاب مغمود
أين الأعاجمُ؟ ما حلّوا وما رحلوا
كأنهم حُلُم في الفجر مردود
من كان يحسب أن الشام يلفظهم
وأن طيفَهمُ في الشام مفقود؟
تمكّنوا من جبال الشام واعتصموا
فكل حصنٍ على الأجيال مِرّيد
فما حمتْهم قلاعٌ في مشارفها
ولا أظلّهمُ حشدٌ وتجنيد
أينَ القلاعُ على الأطواد عاتي؟
وأين منها تهاويلٌ وتهديد؟
أيحسبون قصيفَ الرعد مَرْعبةً؟
قصيفُ رعدهمُ في السمع تغريد
فما القواذفُ بالنيران هادمةٌ
حوضاً تعهّده قومٌ صناديد
ظِلُّ العروبة إن يغضبْ لوارفهِ
يغضبْ له الغُرُّ من «عدنانَ» والصِّيد
يا يومَ «أيّارَ» والنيرانُ ملهبةٌ
على «دمشقَ» تُلظّيها جلاميد
ذكرى سجونكَ ما تنفكّ ماثلةً
لم يُمْحَ من هولها عيدٌ وتعييد
هذي ضحاياكَ في الأيام آبدةٌ
وللضحايا على الأيام تأبيد
الطفلُ في المهد لم تهدأ مضاجعُهُ
مُروَّعٌ من لهيب النار مكمود
تلفّه أُمُّه ما بين أضلعها
ومُوقِدُ النارِ مِطرابٌ وغِرّيد
فقلْ لصحبكَ والأمواجُ تحملهم
هل الحضارةُ تذليلٌ وتعبيد؟
يا نازحين ونارُ الجرح تأكلكم
وما لجرحكمُ بُرْءٌ وتضميد
تلك التقاليدُ ألقينا سلاسلَها
ألم تَرَوْا ما جنتْ تلك التقاليد؟
جنّاتُ عَدْنٍ رتعتُم في نواضرها
خلّيتُموها ولا ماءٌ ولا عود
للمُلْك رهطٌ ولستم من أراهطهِ
ضاعتْ بأيديكمُ منه المقاليد
هل انتُدِبتُم إلى توطيد دولتكم
بالعنف؟ هيهات ما في العنف توطيد
لا تستقيم مع التهديم مملكةٌ
وإنّما المُلْكُ بنيانٌ وتخليد
أَغَرَّكم من شباب الشام يومُهمُ
«بميسلونَ» وللأيام تنكيد؟
جئتم حِماهم فلم يملك جفونَهمُ
غمضُ الليالي، وهل يغفو المقاييد؟
ما نامتِ الشامُ عن ثأر تُبيِّتهُ
هيهات ما نومُها في الثأر معهود
تكاد تُفلِت من أكفانها رِمَمٌ
لِتشهدَ الثأرَ، يومُ الثأر مشهود
لو استطاعتْ لهبّتْ من مدافنها
تسعى الزَّرافاتُ فيه والمواحيد
يا «ميسلونُ» وما الأحداثُ مُنسِيةً
ذكرى تُفيِّئُها تلك الأماليد
هذي دماؤكِ ما تنفكّ دافقةً تجري بها
في حِمى الوادي الأخاديد
من باب واديكِ هاج العِلجُ أدمعَنا
وبابُكِ اليومَ دون العلج مسدود
ثارتْ لكِ الشامُ لم تقهر مرابعَها
شدائدٌ غلغلتْ في جوّها سُود
وكلّما بليتْ أفوافُ غوطتها
عادتْ وفي الغوطة الغَنّاء تجديد
خلتْ ملوكٌ وأرضُ الشام طاويةٌ
تاجَ الملوك، وتاجُ الشام معقود
يا فتيةَ الشام للعلياء ثورتُكم
وما يضيع مع العلياء مجهود
جُدتُم فسالتْ على الثورات أنفسُكم
عَلّمتُمُ الناسَ في الثورات ما الجُود
بنيتُمُ الملكَ من أشلاء عِترتكم
يُوطِّد الملكَ مهشومٌ ومحصود
تلكم «قريشٌ» وأنتم في ذؤابتها
تُوحي إليكم على الأيام أَنْ سُودوا
وللعروبة في أظلالكم لَجَبٌ لها
من الوحي والقرآن تأييد
ما في النعيم عن استقلالكم عِوَضٌ
وكيف يَنعمُ مَغلولٌ ومصفود؟
فإن جمعتُم شتاتَ الأمر بينكمُ
فالملكُ مُتّسعُ الأفياء مولود
إن لم تكن مُضرُ الحمراءُ سيّدةً
فما يُقِرّ عيونَ العرب تسويد