سكوغوس، من ضواحي ستوكهولم. غابة من
أشجار البتولا والصنوبر والحور والكرز
والسرو. وسليم بركات في عزلته المنتقاة
بمهارة المصادفة التي تهبُّ بها الريح على
المصائر. لا يخرج منها منذ صار جزءاً
من المشهد، محاطاً بطيور الشمال:
العقعق والغراب وكسّار الجوز ونقّار
الخشب والزرياب والقُرْقُف والشحرور الأسود
والسمَّان والذيل الحرير. صادقها ريشاً
ومنقارا وذيلا وهجرة، ومنحها صفاتٍ
كردية من مشتقات القلق، لا ليكسر
العزلة، بل ليؤثث شروط الإقامة
في البعيد…بعيدا عما يفعل الكُتّاب
بالكتاب إذا غاروا من بلاغة المنفي…
وقريبا من أُلفة السناجب، والأرانب
والغزلان والثعالب التي تلقي عليه التحية
عبر النافذة، وتهرب وتلعب خلف تمارينه
اللغوية. يستيقظ على تحرُّشات الطير
بزجاج البيت المبنيّ بالطوب والخشب.
يجرُّ عربته الصغيرة إلى سوق اللحم:
نداءِ الحسّيّ للحسّيّ. يختار منه الصريح
المتعطش إلى تدريب المتوحش على آداب
الطهو. ويختار، لتأجيج الرغبة بين
الآكل والمأكول، توابلها الحارقة الحاذقة…
الفُطْر المخصص لمذاق التورية، ونبيذاً
شيرازي النَّسَبِ يوقظ في الشاعر نزعته
إلى الطرب في خريف المنفى. يجر عربته
الصغيرة وسط الغابة برفقة طيور الشمال
التي تعرفه من فانيلته المبللة بالمطر والعرق.
فلا أحد سوى كوردي مثله يتجاسر
على مناخ البلطيق. وهو إذ يهجس الآن
فلا يهجس إلا بالطهو: قصيدة نهاره
المرئية. الطهو موهبة اليد المدربة
على وضع الملائم في الملائم، وعلى
إدراك المتخيل الشعوري بالرائحة والطعم،
وعلى إبداع المعنى الحسي مما كان بدائي
الشكل. الطهو شعر الحواس إذا
اجتمعت في يد… قصيدة تؤكل ولا
تتحمل خللاً في التوازن بين العناصر.
وسليم بركات لا يتحمل الثناء، منذ
صار سريع البكاء!
اقرأ أيضاً
كان صورتها في الوصف إِذ وصفت
كان صورتها في الوصف إِذ وصفت دينار عين من المصرية العتقِ أَو درة أَعيت الغواص في صدفٍ أَو…
وقالوا بعيد قلت حسبي بأنه
وقالوا بعيد قلت حسبي بأنه معي في زمانٍ لا يطيق مجيدا تمر علي الشمس مثل مزورها به كل…
شهدت بعض المخانيث
شهدت بعض المخاني ث والطريف طريفُ فقام من جنب عمروٍ وللشقيِّ حفيفُ فقلت أنى ولم قم ت خائفاً…
باعدت بالإعراض غير مباعد
وَسَقَيتِني مِن ماءِ هَجرِكِ ما لَهُ أَصبَحتُ أَشرَقُ بِالزُلالِ البارِدِ هَلّا جَعَلتِ فَدَتكِ نَفسي غايَةً لِلعَتبِ أَبلُغُها بِجَهدِ…
قوم لهم حسن الوفا شيمة
قومٌ لهم حسن الوفا شيمة وبذلهم يوم العطايا كسَو نؤُ سحاب فاض من كفهم جودا إلا أدن من…
أرسماً جديداً من سعاد تجنب
أَرَسماً جَديداً مِن سُعادَ تَجَنَّبُ عَفَت رَوضَةُ الأَجدادِ مِنها فَيَثقُبُ عَفا آيَهُ ريحُ الجُنوبِ مَعَ الصَبا وَأَسحَمُ دانٍ…
سعة العذر لي وضيق الحجاب
سَعَةُ العُذرِ لي وَضيقُ الحِجابِ جَنَّباني عَن قَصدِ ذاكَ الجَنابِ وَقُطوبُ الخُطوبِ أَهوَنُ عِندي مَوقِعاً مِن تَقَطُّبِ الحُجّابِ
لقد لاح من هند هدى راح لائحاً
لقد لاح من هند هدى راح لائحاً وظلت طيورٌ في الهواء سوانحا وأمست دموعي في الرداء كأنها لآلٍ…