كَبِرْنا ’ أَنا وجميلُ بُثَيْنَةَ , كُلٌّ
على حِدَةٍ’ في زمانين مُخْتَلِفَينْ….
هُوَ الوقْتُ يفعل ما تفعل الشمسُ
والريحُ: يَصْقُلُنا ثم يقتلُنا حينما
يحمل العقلُ عاطفةَ القلبِ , أَو
عندما يبلُغُ القلبُ حكمتَهُ
يا جميلُ ! أَتكبَرُ مِثْلَكَ , مثلي ,
بثينةُ ؟
تكبَرُ , يا صاحبي , خارجَ القلب
في نَظَر الآخرين . وفي داخلي تستحمُّ
الغزالةُ في نبعا المتدفّق من ذاتها
هِيَ , أَم تلك صُورَتُها ؟
إنها هِيَ يا صاحبي . دَمُها , لحمُها ,
واُسمُها . لا زمان لها . رُبّما استَوْقَفَتْني
غداً في الطريق إلى أَمسها
هل أَحبَّتْكَ ؟ أَم أَعْجَبَتْها استعارتُها
في أَغانيك ’ لؤلؤةً كُلَّما حدَّقتْ في
لياليكَ واُغرورقتْ… أَشرقَتْ قمراً قلبُهُ
حَجَر يا جميل؟
هو الحُبُّ , يا صاحبي , موتُنا المُنْتَقَى
عابرٌ يَتَزَوَّجُ من عابرِ مُطْلقاً….
لا نهايةَ لي , لا بدايةَ لي . لا
بُثَيْنَةُ لي وأَنا لبثينةَ هذا
هو الحبُّ , يا صاحبي . ليتني كُنْتُ
أَصغرَ منِّي بعشرين باباً لكان
الهواءُ خفيفاً عليَّ وصورتُها الجانبيَّةُ
في الليل أَوضحَ من شامةٍ فوق
سُرَّتها….
هل هَمَمْتَ بها , يا جميل , على عكس
ما قال عنك الرُواةُ , وهَمَّتْ بكَ ؟
تزوَّجتُها. وهَزَزْنا السماءَ فسالَتْ
حليباً على خُبْزِنا. كُلَّما فَتَّحَتْ
جَسَدي زهرةً زهرةً , وأَراق غدي
خمرَة قطرةً قطرةً في أَباريقها
هل خُلِقْتَ لها , يا جميل ,
وتبقي لها ؟
أُمِرْتُ وعُلِّمْتُ . لا شأنَ لي
بوجودي المُراقِ كماءٍ على جلدها
العِنَبيّ . ولا شأنَ لي بالخلود
الذي سوف يتبعُنا ككلاب الرعاة
فما أَنا إلاَّ كما خَلَقَتْني بُثَينَةُ
هل تشرَحُ الحُبَّ لي , يا جميلُ ,
لأَحفظَهُ فكرةً فكرةً ؟
أَعْرَفُ الناس بالحُبِّ أكثرُهُمْ حَيْرَةً ,
فاحترِقْ , لا لتعرف نفسك , لكن
لتُشْعِلَ لَيْلَ بُثَيْنَةَ….
أَعلى من الليل , طار جميل
وكسَّر عُكَّازتَيْه. ومال على أُذُني
هامساً: إن رأيت بثينةَ في اُمرأةٍ
غيرها’ فاجعل الموت , يا صاحبي ,
صاحباً. وتلألأ هنالك , في اُسم
بثينة , كالنون في القافيةْ !