جلس الأمير إلى الطعام عشية

التفعيلة : البحر الكامل

جَلَسَ الأَمِيرُ إِلَى الطَّعَامِ عَشِيَّةً

وَدَعَا الإِمَامَ لَهُ فَلَمْ يَتَقَدَّمِ

فَأَصَرَّ إِلاَّ أَنْ يُجِيبَ دَعَاءهُ

فَأَطَاعَ لَكِنْ طَاعَةَ المُتَأَلِّمِ

كَانَ الإِمَامُ عَلَى أَسىً لِبِلادِهِ

مِنْ سُوءِ سَيْرِ أَمِيرهَا المُتحَكِّمِ

أبداً يُوَالِي نُصْحَهُ بِتَلَطفٍ

فَيفُوزُ مِنْهُ بِنُفْرَةٍ وَتَجَهُّمِ

مَرَّتْ بِهِ الأَلْوَان يَأْبَى مَسَّهَا

وَلَهُ مَعَاذِيرُ السَّقِيمِ المُحْتَمِي

وَبِزَعْمِهِ أَنَّ الطَّبِيبَ نَهَاهُ عَنْ

غَيْرِ الحَلِيبِ فَإِنْ يُخَالِفُ يَنْدَمِ

فَتَبَادَرَ الخَدَمُ الوُقوفَ وَأَحْضَرُوا

لَبَناً زَكِيّاً نَاصِعَ المُتَوَسمِ

أَلْقَى عَلَيْهِ يَداً فَحَالَ لِوَقْتِهِ

وَإِذَا البَيَاضُ كَصِبْغَةٍ مِنْ عَنْدَمِ

رِيعَ الأُولى نَظَرُوا إِلَيْهِ وَأَفْظَعُوا

تِلْكَ الكَرَامَةَ وَانْثَنُوا بِتبَرمِ

حَتَّى لَكَادُوا يَفْتِكُونَ بِشَيْخِهِمْ

زُلْفَى إِلَى ذَاكَ الأَمِيرِ المُطْعِمِ

وَثَنَى الأَمِيرُ فَقَالَ مَا تَأْوِيلُهَا

أَكَذَا مِزَاحُ الصَّائِمِينَ القُوَّمِ

فَأَجَابَهُ وَبِهِ تَفَكُّرُ غَائِبٍ

عَنْ رُشْدِهِ وَلَهُ تَبصُّرُ مُلْهَمِ

إِسْمَعْ مِنَ الغَيْبِ الَّذِي أَنَا قَائِلٌ

بِلِسَانِهِ لِلجَائِرِ المُتَنَعمِ

هَذَا نَذِيرٌ لا شَفَاعَةَ بَعْدَهُ

عِنْدَ المُهَيمِنِ أَنْ تُصِرَّ وَتَظْلِمِ

هَدَّمْتَ فِي طُولِ البِلادِ وَعَرْضِهَا

أَعْلامَهَا الحُكَمَاءَ كُلَّ مُهَدَّمِ

أَسْرَفْتَ فِي هَذِي الدِّيَار مَهَانَةً

لِكَرِيمِهَا وَمَعَزَّةً لِلمُجْرِمِ

بَالَغَتَ فِي طَلَبِ الحُطَامِ إِلَى مَدىً

مُغْنِي الوُلاةَ وَلِلعُرُوشِ مُحَطَّمِ

بَايَعْتَ دُونَ حِمَاكَ بَيْعَةَ خَاسِرٍ

تُؤْتَاهُ مِنْ كَدْحِ الفَقِيرِ المُعْدِمِ

أَوْفِ البِلادَ بِمِثْلِ أَجْرِكَ حَقَّهَا

مِنْ خِدْمَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَتَكَرُّمِ

أُرْدُدْ إِلَى هَذَا الحِمَى اسْتِقْلالَهُ

يَخْلُصْ طَعَامُكَ يَا أَمِيرُ مِنَ الدَّمِ


نوع المنشور:

شارك على :

المنشور السابق

بارك الله في قران النجيبين

المنشور التالي

حييت يا ذات المقام السامي

اقرأ أيضاً

طرقت نوار ودون مطرقها

طَرَقَت نَوارُ وَدونَ مَطرَقِها جَذبُ البُرى لِنَواحِلٍ صُعرِ وَرَواحُ مُعصِفَةٍ وَغَدوَتُها شَهراً تُواصِلُهُ إِلى شَهرِ أَدنى مَنازِلِها لِطالِبِها…

منفيون

لمن نشكو مآسينا ؟ ومن يصغي لشكوانا، ويجدينا ؟ أنشكو موتنا ذلا لوالينا ؟ وهل موت ســيحـيـيـنا ؟…